طرطوس تدخل الحرب: دماء الفقراء فوق الأكشاك

  • 0
  • ض
  • ض

طرطوس | ظلّت محافظة طرطوس بعيدة عن جغرافيا الحرب في سوريا، ولم تُحسب عليها في خمس سنواتٍ خلت مظاهر حرب بالمعنى «السوري» للكلمة سوى الاشتباكات التي بقيت محدودة في مدينة بانياس التابعة إدارياً للمحافظة، وذلك في الربع الأول من عمر الحرب الدائرة، وكذلك في بلدة المتراس التي لم يطل عمر التمرّد المسلح فيها إلا بضعة أيام نهاية عام 2013.

صبيحة أمس، كانت مختلفة على المدينة الساحلية الهادئة إلا من صوت الرصاص في مواكب التشييع المعتادة. استفاق أهل المدينة على 4 انفجارات متتالية بفارق زمني بسيط ليروح ضحيتها نحو 40 شهيداً ونحو 65 جريحاً. حيث انفجرت عند التاسعة والنصف صباحاً سيارة مفخخة داخل كاراج الانطلاق الجديد في المدينة، تبعها بعدّة ثواني انفجاران آخران عبر انتحاريَّين بأحزمةٍ ناسفة، أحدهما على باب الدخول، والآخر على باب الخروج، ليفجِّر انتحاريٌّ ثالث نفسه في سوق شعبي ملاصق للكاراج. إياد، صاحب أحد الأكشاك المحاذية، ينهي اتصالاً يخبر قريبه فيه بأنه بخير «ولكن البسطة صارت عالأرض». يقول لـ«الأخبار»: «السيارة المفخخة دخلت من الحيّز المخصص لخروج السيارات في الباب الرئيسي من دون عملية تفتيش، وهي عمليةٌ روتينية سبّبتها الحالة الأمنية المستقرّة في المدينة».
الدمار الحاصل داخل مبنى الاستراحة، وفيه عشرات السيارات، وكذلك الزجاج المتطاير وبقايا المحركات، لم يخفِ امتزاج دماء فقراء بالخضروات انتظرتهم ليشترونها. فقراء من أبناء الريف الغارق بنعوات شبّانٍ لم يتجاوزوا عقدهم الثالث... التفجير لم يُبقِ منهم بائعين ولا شارين.
مع أصوات الانفجار وتسارع الأخبار العاجلة على صفحات التواصل الاجتماعي، تسارع نبض سكان المدينة بين اتصالٍ وبحثٍ عن قريب بين الضحايا، لتغيب بعدها شبكة الجوال والهاتف الأرضي لساعةٍ كاملة نتيجة انشغال الخطوط. لم تخلُ أفواه العابرين في موقع التفجير من عبارات التذمّر وإلقاء اللوم على من يجب عليه تحمّل مسؤولية الأمن. حالة الفوضى بدت جليّة على المشهد، فهذا هو الحادث الأول من نوعه على أرض المدينة. وعلى رغم الخرق الأمني الكبير الذي نتج منه أربع انفجارات بدقيقة واحدة، نشرت القوى الأمنية عدة حواجز وبدت الحركة شبه مختفية، مع تداول معلوماتٍ عن تعميم أوصاف سياراتٍ أخرى مشتبه فيها.
بعد الانفجار بساعات حدثت حالات من الشغب من قبل بعض حملة السلاح، حيث نقلت مصادر أهلية في منطقة الرادار لـ«الأخبار» عن «قيام بعض الشبان بالهجوم على مخيم الكرنك جنوب طرطوس، الذي يضم عائلات مهجّرة من بعض مناطق الحرب، مع القيام بحرقِ بعض الخيم من دون وقوع إصابات... كردّ فعل مناطقية تُحمّل هؤلاء المهجّرين مسؤولية وقوع التفجيرات».
هذه المشاهد تبدو جديدة على المدينة التي تضم أكثر من نصف مليون مهجّر وفق إحصاءات غير رسمية. ولعلّ المزاج العام في المدينة يرفض أي أفعال كهذه، خصوصاً بعد دخول هؤلاء المهجرين في دورة التجارة والصناعة في المدينة... وامتزاج دمائهم مع دماء أبناء طرطوس في تفجيرات أمس.

0 تعليق

التعليقات