لليوم الثالث على التوالي، عشرات العائلات السورية تنتظر، على طول طريق سهل الغاب، من بلدة عين سليمو حتى بلدة جورين، شمال غرب حماة، سيارات الإسعاف القادمة من مواقع وصول عناصر الجيش السوري، والمدنيين المنسحبين من مستشفى جسر الشغور. وعند وصول كل سيارة إسعاف، يتراكض الأهالي باتجاه المستشفى الميداني، لمعرفة هوية الواصل، بين فرحة عامرة لمن التقى ابنه أو أطفاله أوعائلته، وحزن وقلق لمن خاب أمله، أو فقد أمل وصول من ينتظره، وأيقن عدم نجاته، بعد سماع الروايات المؤلمة من الناجين.
مساء يوم الجمعة، كانت حشود المنتظرين مع موعد وصول أول مجموعة مؤلفة من 17 مقاتلاً، على رأسهم قائد حامية مستشفى جسر الشغور، العقيد محمود صبحة، الذي تحدّث عن معركة عنيفة على طول الـ3 كلم، خاض خلالها المقاتلون أشرس الاشتباكات مع المسلحين الذين حاولوا، بشتى الوسائل، منع وصولهم إلى مواقع سيطرة الجيش السوري في بلدة الكفير، جنوب جسر الشغور، أو مواقع أخرى متفق عليها قبل عملية الانسحاب.
لحظات عصيبة عند وصول سيارات الإسعاف التي كانت تقلّ الناجين المصدومين، والذين لم يصدقوا في لحظتها أنهم تمكنوا من النجاة، في ظلّ المخاطر التي واجهتهم. أحد عناصر حامية مستشفى جسر الشغور قال لـ»الأخبار»: «الانسحاب تمّ على شكل مجموعات، تتوسطها مجموعتان، الأولى مهمتها تأمين الحماية للمدنيين الذين كانوا محاصرين في المستشفى، برفقة عناصر الجيش السوري، والمجموعة الثانية مهمتها حمل جرحى الجيش والمدنيين، بينما مجموعة أخرى تبقى ضمن بناء المستشفى لتغطية الانسحاب والاشتباك مع المسلحين، ريثما تبتعد جميع المجموعات عن المبنى». وأوضح عنصر آخر، التقت به «الأخبار»، أنّ مقومات الصمود، داخل المستشفى، لم تعد موجودة «بعد وصول تأكيدات عن نية المسلحين تفجير المستشفى عبر نفق، يوم الجمعة، وكنا نسمع الأصوات الناتجة من عمليات الحفر، حيث صدر قرار من قبل قائد حامية المستشفى، بالتنسيق مع قيادة العمليات، لتنفيذ الانسحاب ليل الخميس ــ فجر الجمعة، على شكل مجموعات».

استقبل المشفى الميداني 125 جندياً من الذين غادروا مشفى جسر الشغور


وكانت الطائرات الحربية قد نفذت عشرات الغارات الجوية، مساندة سلاح المدفعية في تغطية القوات المنسحبة، عبر استهداف الجبال والأحراج، التي ينتشر فيها المسلحون، بهدف إشغالهم عن الطريق المخطط سلوكه من قبل القوات المنسحبة. وعند ساعات الصباح الأولى، من يوم الجمعة، انسحبت آخر مجموعة من المستشفى الوطني، إلا أن معظمها لم يصل بعد إلى مناطق سيطرة الجيش، إلى جانب عشرات العسكريين والمدنيين الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً.
وتحدّث بعض الناجين، لـ»الأخبار»، عن المخاطر التي واجهتهم، على طول الطريق الذي سلكوه، وأكثرها صعوبة كانت قرب تلة الكفير، جنوب جسر الشغور، التي رصدهم منها المسلحون، وفتحوا عليهم النار بكثافة، إلى جانب قذائف الدبابات وصواريخ التاو، ما أدّى إلى استشهاد عدد من العسكريين والمدنيين.
الناجيتان فرح سامر الريس وشروق حسين حمادة، تحدثتا إلى «الأخبار»؛ فالأولى تجهل مصير والديها، بينما فقدت الثانية والديها، حيث استشهدا برصاص المسلحين، على الطريق، فيما تكفّل عناصر الجيش السوريّ بتأمين الحماية للفتاتين، حتى بلوغهما منطقة الأمان. وأكّدت الفتاتان مشاهدتهما لعدد من جثامين الشهداء الذين ارتقوا برصاص المسلحين وقذائفهم، على الطريق الذي عبروا من خلاله. كذلك أكدتا أن المجموعة التي كانتا برفقتها تفرّقت نتيجة شدّة الاشتباكات، وضاع أفرادها في الأحراج والجبال، حيث وصل منهم 26 شخصاً، بينهم 22 عسكرياً، وطفلان.
وقال أحد العسكريين الناجين إن الاشتباك مع المسلحين كان على مسافة قريبة، حيث قتل عدد كبير منهم، وتمكن مغادرو المستشفى من إكمال طريقهم.
ومع حلول فجر يوم السبت، وصلت مجموعة أخرى مؤلفة من 45 شخصاً، معظمهم من العسكريين، تمّ نقلهم إلى المشفى الميداني، ومن ثمّ نقلوا إلى المستشفى العسكري في اللاذقية، لإكمال العلاج. كذلك بدأت مجموعة من الأفراد بالوصول، تباعاً، إلى مناطق وجود الجيش السوري، حيث ذكرت مصادر طبية للـ»الأخبار» أن المشفى الميداني في سهل الغاب استقبل أكثر من 125 جندياً، حتى صباح يوم الأحد، من دون وجود إحصائية دقيقة لعدد المدنيين، الذين تمكنوا من النجاة.