نيويورك | حاول المبعوث الدولي عن الأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، خلال اجتماعه بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في طهران الجمعة الماضية، إمرار صفقة سعودية عليه. استقبله ظريف ببشاشته المعهودة وحنكته المشهود بها بصفته مفاوضاً يفقه الثقافات العربية والغربية المختلفة، فيما أبلغه الموريتاني ولد الشيخ أحمد أن الحوثيين الذين قابلهم في صنعاء قبل ذلك بأسبوع تقريباً يتفهمون مسائل كثيرة، وهم على استعداد لتقديم تنازلات، خاصة في مسألة «اتفاق السلم والشراكة».
لكن معلومات ظريف كانت غير متطابقة مع ما سمع؛ فهو يعرف أن الاتفاق يقوم في الأساس على تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي جرى التوصل إليه مع سلفه جمال بن عمر. وبعبارة أخرى: إنه اتفاق محوري جاء ليعيد ما خسرته ثورة ٢٠١١ خلال ولاية الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي. في المقابل، كانت السعودية تخشى تطبيق المخرجات، خشية أن يمتد الإصلاح من اليمن إليها.
هنا تحديداً واجه ولد الشيخ أحمد خياراً من اثنين في مساعيه بشأن مؤتمر جنيف: إما أن يلغي مشاركة مجلس التعاون الخليجي، وإما أن يلغي مشاركة إيران التي من دونها لا تشارك جماعة «أنصار الله». كذلك سمع المبعوث الدولي من السعودية أن حضور طهران المؤتمر لا معنى له جملة وتفصيلاً؛ فهي ليست جارة لليمن، ولا دولة عربية وليست عضواً في مجلس التعاون الخليجي، لذلك لا يختلف وضعها عن وضع أي دولة أفريقية أو لاتينية. ثم فهم أن الرياض لا ترغب في إعطاء خصومها الإقليميين أي دور.
بناءً على ذلك، قدم المبعوث الدولي إلى وزير الخارجية الإيراني مقترحات لتنظيم مؤتمر جنيف، فطرح أن يتحدث ممثلون عن كل من دول مجلس التعاون، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأوروبي، ومندوبين عن مجموعة الدول الأربع عشرة. وكذلك ضمِن التوجه لتلوين المؤتمر بألوان أممية، فعرض مشاركة نائب من «برلمان الأطفال العرب»، وهو طرح أثار سخرية دبلوماسيين معنيين في الأمم المتحدة.
لكن أصل القصة أن إيران لم تكن مصرّة على حضور «جنيف»، مع أنها رغبت في تسهيل انعقاد المؤتمر وخروجه بقرارات يمكن تطبيقها، لأن الوضع الإنساني في اليمن لا يحتمل المناورة، والمنطقة لا تحتاج جبهات ملتهبة أكثر، كذلك فإن الوضع الميداني راجح لكفة أصدقائها... والهدوء يرسّخ مكاسبهم.
بادله ظريف بابتسامة وقال له: «المؤتمر سيولد ميتاً بناءً على هذه المقترحات، فكل المشاركين يناصبون أنصار الله العداء». وسأله: «كيف يجوز أن تمثل السعودية التي تعتبر الخصم الرئيسي في النزاع اليمني أربع مرات في المؤتمر: مرة بصفتها في مجلس التعاون، ومرة في الجامعة العربية، ومرة في منظمة التعاون، ومرة كعضو في مجموعة الـ١٤؟». لم يستطع المبعوث الدولي الردّ.
أيضاً، في اجتماع ثانٍ لولد الشيخ أحمد في طهران مع وكيل وزير الخارجية الإيرانية، حسين عبد اللهيان، سمع منه إصراراً على ضرورة تمثيل كل الدول والأطراف المؤثرة في النزاع لضمان نجاح المؤتمر، بمن فيهم ممثلون عن الأطراف اليمنية المتنازعة ذات الثقل عن الأرض.
على جانب آخر، إن الرياض التي كانت تشعر بخيبة أمل عارمة من عزوف الأمم المتحدة عن تبني نتائج مؤتمرها، تابعت مباحثات المبعوث في إيران، وكان لافتاً توخي الجانب الأميركي موقفاً حيادياً في اجتماعات نيويورك، لأن الأميركيين كانوا قد تلقوا من الرياض طمأنة إلى أن كل الحرب اليمنية لن تستغرق سوى ١٠ أيام، فإذا بها تمتد إلى أسبوعها الثامن آنذاك.
وشعر الأميركيون بأن السعوديين يتخبطون ووقعوا في مأزق لا يعرفون الخروج منه: خسائرهم في الأرواح والعتاد تتضاعف، وعجزهم لم يعد خافياً على أحد. أما وزير دفاعهم، محمد بن سلمان، الذي يرى نفسه صاحب الحل والفصل، فيمضي وقته في باريس، متجاهلاً الأخطار المتلبدة في الداخل وعلى الحدود. لذلك كله، كانت المملكة تريد من المجتمع الدولي أن يكمل ما بدأته بداعي أنها تمتلك قراراً دولياً رقمه ٢٢١٦ صدر تحت الفصل السابع، ولكنها لم تستطع صرفه وترجمته عملياً رغم استخدام حلفائها قنبلة نيترونية في اليمن، كما نقل خبراء.
انطلاقاً من ذلك، دعت السعودية ولد الشيخ أحمد للتشاور قبل أن يتجه إلى جنيف من أجل التحضير للمؤتمر ولتوجيه الدعوات، فحددت له شروطها وعددها ١١، أهمها، أن تختار السعودية ما لا يقل عن نصف المشاركين في المؤتمر من الشخصيات اليمنية، بمن فيهم ممثلو الأحزاب، ثم رفضت تمثيل الجنوبيين في المؤتمر ممن رفضوا حضور مؤتمر الرياض، أو الذين اعترضوا على الهجوم العسكري السعودي، مثل رئيس الجنوب السابق علي ناصر محمد.
كذلك طلب السعوديون قبل بدء المؤتمر الحصول على مهلة من أجل تحسين أوضاعهم الميدانية، فالتوازن كان مختلاً لمصلحة خصومهم على الأرض، وقد أرادت الرياض احتلال منطقة آمنة تستطيع نقل حكومة المهجر إليها لتكوين رقعة يمكن التوسع منها والسيطرة على قسم من اليمن بعدما أخفقت في السيطرة عليها كلها.
كل هذا لم يحصل، بل تآكل فريق هادي تحت وطأة الهزائم الميدانية المتتابعة، ثم اتسعت الهوة بينه وبين نائبه خالد بحاح، الحضرمي الذي يعد الأقرب إلى هوى الرياض، لذا كانت السعودية في حاجة ماسة إلى تأجيل جنيف كي لا تواجه الحقائق فيه وتدفع ثمنها على المكشوف.
من الشروط الأخرى التي طرحتها المملكة السعودية منح مجلس التعاون الخليجي وأتباعه دوراً مميزاً ومحورياً في وضع إطار مؤتمر جنيف. وبالفعل اقترح إسماعيل على الأمانة العامة للأمم المتحدة دعوة الأمين العام لمجلس التعاون (عبد اللطيف الزياني) لإلقاء كلمة الافتتاح، علماً بأنه كان من المفترض أن يلقيها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بل عليه أن يحدد أطر المؤتمر وأهدافه، لذا أرادت السعودية أن تزكي مقررات مؤتمر الرياض بهذه الطريقة الاحتيالية؛ فجاء رد الأمم المتحدة برفض المقترح.
سألهم المبعوث الدولي رداً على طلب التأجيل لتصحيح الموازين: «كم تحتاجون من وقت؟»، ليكشف بسؤاله مقدار التبعية لمن دعم تعيينه. وكان يعتقد أن الكلام في السعودية لن يصل إلى اليمن، ولكن خلافات يمنيي الرياض جعلت كل ما يقال فيها ينقل إلى صنعاء ويتردد حتى في نيويورك.
ردت الرياض عليه: «نحتاج بضعة أيام». كان هذا يوم السبت الماضي، فضاعفت السعودية غاراتها الجوية خلال الأحد والاثنين، ولكن النتيجة جاءت بنزوح جماعي من نجران وجيزان وظهران الجنوب. أما نزلاء سجن نجران، فبقي صراخهم يتردد في المنطقة دون سميع أو مغيث، لأن السجن يقع بجوار معسكر نجران وتسقط الصواريخ بانتظام عليهما، ويقال إنه سقط العديد من القتلى والجرحى فيه، طبقاً لوسائل إعلام محلية.
أما اليوم، فتشعر الرياض بأن الأمم المتحدة ستكون منبراً لفضح مشكلاتها، لذا كان هدف شروطها التعجيزية تعطيل المؤتمر، وهي قد تلقفت المبادرة العمانية بهدوء، وسمحت بنقل قادة من «أنصار الله» إلى مسقط بطائرة خاصة من صنعاء، وآثرت اتباع سياسة التراجع المعتادة بمفاوضات سرية تدفع فيها تنازلات سياسية ومادية قد تستر كل عورات إخفاقها بعيداً عن المؤتمرات الدولية.