لم تخمد نار «الإقتتال الجهادي» في الجنوب السوري في الأشهر الثلاثة الماضية. لم تُحسم «حرب الإلغاء» المعلنة بين قطبي «الجهاد الشامي»، «تنظيم القاعدة في بلاد الشام – جبهة النصرة» وأخواتها من جهة، وتنظيم «داعش» ومبايعيه من جهة أخرى، في درعا وريفها.حينما وصل القيادي «القاعدي» أبو مارية القحطاني، إلى الجنوب، آتياً من الجبهة الشرقية، منتصف 2014، تصدّر المشهد الخلاف بين الجماعات «الجهادية»، وخصوصاً مع تصدّيه لمواجهة «خوارج الجنوب» وقيادته لـ«غزواتٍ» عدّة ضدّهم. ورغم الإعلان الدائم عن قُرب «استئصال الخوارج»، إلا أن المؤشّرات الميدانية تؤكّد أن أنصار «داعش» يمسكون، أحياناً، بزمام المبادرة، رغم أنهم يقبعون تحت وطأة حصارٍ خانق، في مناطق سيطرتهم في ريف درعا الغربي، وتحديداً في منطقة عين ذكر، ومحيطها.
جولة الإقتتال، ما قبل الأخيرة (في آذار الماضي)، أفضت إلى اندماجٍ بين «شهداء اليرموك» و«حركة المثنى الإسلامية». يومها، أصدر «المثنى» بياناً أعلن اندماجه الكامل في صفوف «اليرموك». لكنّها بقيت «إشاعات»، وخصوصاً مع نفي صحة البيان، وصمت «شهداء اليرموك».
ظلّت شائعة الإندماج مجرّد تكهنات عند معظم الجنوبيين، ومع جولة «الإقتتال» الحالية، خطّ «داعش» فصلاً جديداً في رواية «الإلغاء»، بإعلان وكالة «أعماق» الإخبارية، إحدى أذرعه الإعلامية، «جيش خالد ابن الوليد»، المسمّى الجديد لاندماج الفصائل المبايعة لـ«أمير المؤمنين».
وإن كان الاندماج قد وقع «سِرّاً»، فإن إفشاءه تزامن مع إعلان واشنطن «شهداء اليرموك جماعةً إرهابية». هنا، جاء ردّ «الجهاديين» بـ«التوحّد ورص الصفوف». فخرجت «أعماق» ببيانٍ قالت فيه إن «لواء شهداء اليرموك، وحركة المثنى الإسلامية، وجماعة المجاهدين، المنتشرين في حوض اليرموك، عند المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والجولان، قاموا بالاندماج الكامل فيما بينهم، وتشكيل فصيل جديد تحت مسمى جيش خالد بن الوليد».
وأوضحت «أعماق» أن سبب الإعلان الجديد – القديم «يأتي لتوحيد الصفوف، وحشد القوى، مرافقاً مع إدراج الولايات المتحدة لواء شهداء اليرموك على لائحة الإرهاب»، مشيرةً إلى أن «التشكيل الجديد يسيطر حالياً على بلدات الشجرة، وجملة، ونافعة، إضافة لقرى حوض اليرموك، في ريف درعا الغربي».
بويع أبو عثمان الإدلبي، الواصل من ريف حلب، أميراً على «الجيش»

في المقابل، قالت مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، إن «خمسة فصائل شكّلت جيش خالد ابن الوليد، وهي لواء شهداء اليرموك، وحركة المثنى الإسلامية، وفرقة حمزة أسد الله الغالب، وجماعة المجاهدين وتجمع أنصار الأقصى»، لافتةً إلى أنها «جميعها وقعت في مواجهات مباشرة مع فصائل الثوار في الجنوب السوري، لاتباعها الفكر المتطرف وأسلوب تنظيم الدولة».
وبحسب مصدر «جهادي» جنوبي، فإن «البيعة» انتقلت إلى القائد أبو عثمان الإدلبي (الشامي)، الذي وصل منذ فترةٍ وجيزة إلى منطقة حوض اليرموك، آتياً من ريف حلب الشمالي، كمبعوثٍ من قيادة «داعش»، فيما قال مصدر آخر إن «قرار تعيين أبو عثمان الشامي جاء بأوامر مباشرة من زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي». وأشار المصدر إلى أن «جيش خالد بن الوليد هو فرع رئيسي للتنظيم، لكن فصائله الثلاثة أخفت انتماءاتها مراراً، خوفًا من الاستهداف الدولي».
مصدر ثالث، لفت إلى أن الأمير السابق، لـ«شهداء اليرموك»، السعودي أبو عبد الله مدني، غادر إلى الرقة، قبل تعيين الشامي، رغم أن الأول استلم قيادة «شهداء اليرموك» لحوالى ثلاثة أشهر. وأضاف أن «تعداد جيش خالد بن الوليد لا يتجاوز الخمسمئة مقاتل، في كافة مناطق سيطرتهم»، مشيراً إلى أنهم «ينقسمون على أربعة قطاعات، وبينهم عدد كبير من الجرحى».
وأصدرت قيادة «الجيش» الجديد وثيقة داخلية، أوضحت فيها أن «قاطع حوض اليرموك»، سيغيّر مسمى «مقر 105» إلى «الأندلس»، على أن يقفل «مقر 106»، بشكل نهائي. وأكّدت الوثيقة على أن مسؤولية «مقر الأندلس» (الأمن الداخلي) هي «التصدي لمحاولات الغدر والخيانة من قبل المرتدين (فصائل المعارضة)... وسيكون منطلق عمله هو المحكمة الإسلامية». أما المقرّان فيعتبران مراكز أمنية تابعة لـ«شهداء اليرموك»، وكانا غرفة عمليات مواجهة الفصائل المسلحة، الأخرى، في محافظة درعا.
وعلى المقلب الآخر، فإن الفصائل المسلحة، المشغولة حالياً في تكرار تجربتها الفاشلة لـ«جيش الفتح _ الجنوب»، بإعادة ترتيب وهيكلة جسمه التنظيمي في المنطقة الجنوبية، وجدت نفسها مجبرة على هذا الخيار لسببين، بحسب مصدر ميداني.
وأكّد المصدر أن السبب الأول هو الشروع في «وحدة الصف» وسط إعلان مرتقب لـ«نفير» ضد الجيش السوري، المتواجد في المنطقة، أما السبب الثاني فهو «القضاء على الخوارج، بعد أن تجمّعوا وتهيكلوا في فصيل واحد». وهو ما يُفسّره المصدر لأمر العمليات، الذي صدر في الأيام الماضية، فتجددت الإشتباكات بين «جيش خالد بن الوليد» من جهة، وتشكيلات الجبهة الجنوبية و«حركة أحرار الشام» من جهة أخرى، بعد ركود شهده حوض اليرموك.
مصدر مقرّب من «النصرة» يستشرف الأيام المقبلة. يرى أنها ستضع منطقة حوض اليرموك أمام «مجهول»، خصوصاً مع معلومات تفيد أن «إعلاناً رسمياً قريباً جداً سيصدر لجيش خالد بن الوليد يبايع فيه تنظيم الدولة». يضيف المصدر ان ذلك «قد يعني دخول طائرات التحالف إلى الساحة الجنوبية، ما يعدّ تحولاً كبيراً في سير المعركة»، مشيراً إلى إمكانية «انسحاب النصرة من المعركة على غرار ما حصل في ريف حلب الشمالي (إبان الانسحاب الكامل لـ«لنصرة» من نقاط اشتباكها مع «داعش»، بعد ضغوط تعرّضت لها من عدد من مشايخ ومنظري القاعدة، الذين أصدروا فتاوى تحرم القتال بالتعاون مع «طائرات التحالف الصليبي»). ويختم المصدر قوله إن ذلك، إن حصل، فقد يوسّع «دائرة الغارات الجوية لتستهدف النصرة، كما سبق أن حصل في مناطق متعددة من إدلب... وقد يؤدي إلى خارطة تحالفات جديدة».