ينطوي ملف تغذية حلب بالكهرباء على تفاصيل هائلة يتداخل فيها الفساد بالنهب بالابتزاز. سكّان المدينة المنكوبة كادوا ينسون وجود حلب على «خارطة وزارة الكهرباء». بينما تحوّلت التغذية الكهربائيّة لمدينتهم إلى «ملطشة» للجميع. فعلاوة على الانقطاعات التي تسبّبها بعض المعارك تحوّلت كهرباء حلب إلى سلاحٍ بيد المجموعات المسلّحة يجري استخدامه في أي وقت، مع ما يعنيه ذلك من انقطاع لمياه الشرب عن أكثر من مليوني مدني. حتى أواخر العام الماضي كانت التغذية الكهربائيّة تصل حلب عبر مصدرين أساسيين: الشبكة السورية العامّة للكهرباء (تحت سيطرة الحكومة) والمحطّة الحراريّة في السفيرة (الريف الشرقي لحلب، بقيت طويلاً تحت سيطرة «داعش» قبل أن يحرّرها الجيش السوري في شباط الماضي). كانت المحطّة الحراريّة قد مرّت سابقاً بفترات توقّف طويلة تتخلّلها فترات تشغيل بعد تصليح الأعطال، وبوساطة مستمرّة من مبادرة «أهالي». في تشرين الأوّل الماضي تعرّضت المحطة لقصف مكثّف، ما أدّى إلى خروجها من الخدمة. واتهمت السلطات السورية طيران «التحالف الدولي» باستهداف المحطة، الأمر الذي نفته قوّات «التحالف». بعد تحرير المحطة دخلتها «لجنة تقدير الأضرار» التي خلصت إلى تعذّر عودة المحطّة إلى الخدمة. في ضوء هذه المعطيات باتت الشبكة السورية العامة المصدر الفعلي الوحيد للطاقة الكهربائيّة الواصلة إلى حلب، حيث تصلها خطوط الشبكة آتيةً من حماة، مروراً بإدلب. وعلاوة على التضرّر المستمر بفعل المعارك فقد أصيبت التغذية الواردة عبر هذا المسار بنكسات متتالية، كان من أبرزها التدمير الذي طاول محطة زيزون الحرارية (ريف حماة) بعدما رفضت وزارة الكهرباء تنفيذ اتفاق يضمن تحييدها عن المعارك إضافة إلى حل مشكلة الانترنت في حلب، وذلك رغم موافقة جهات أمنيّة عُليا على الاتفاق! («الأخبار»، 2906).
مرور «الخط الآمن» عبر منطقة خاضعة لسيطرة المسلّحين

ردود «وزاريّة» غريبة

على امتداد السنوات السابقة كان تعامل وزارة الكهرباء مع قضيّة تغذية حلب مثيراً للاستغراب ولكثير من علامات الاستفهام. وإضافةً إلى تعطيل اتفاقات كثيرة لإصلاح الأعطال وإعادة الكهرباء كانت الإجابات المقدّمة من الوزارة على بعض المقترحات مُفاجئة. فمرّة يأتي الردّ من قبيل «وزارة الكهرباء لا علاقة لها بالاتصالات ولن تكون جزءاً من اتفاق يتداخل فيه الملفّان». ومرةً يأتي الرّد «نحن وزارة كهرباء ولسنا وزارة ري، لا علاقة لنا بمياه الشرب... دبروا حالكن»!

حكاية «الخط الرديف»

تبدو حكاية «خط كهرباء خناصر الرديف» خير مثالٍ على أسلوب إدارة وزارة الكهرباء لملف تغذية حلب. وتدور هذه الحكاية حول احتمالين لا ثالث لهما: أوّلهما قضيّة فساد كُبرى ونهب للمال العام، وثانيهما سوء تخطيط وهدر للمال العام من دون طائل. وفي الحالتين فإنّ الخطّ العتيد لم يُقدّم النتائج الموعودة. بدأت حكاية الخط الرديف في تشرين الأوّل الماضي، حيث قرّرت الوزارة أن توجد «حلّاً جذريّاً» لمشكلة الكهرباء في حلب «يُخلّصها من سيطرة المسلحين على الخطوط الواصلة إليها ومن تحكّمهم في المدينة». وتمثَّل الحل بـ«مد خطّ كهرباء ذهبي عبر مناطق سيطرة الدولة فحسب»، وهو كما سُوّق حينها «خط آمن يحاذي طريق خناصر حلب، ويُنجز خلال شهرين». كانت التكلفة التقديريّة للمشروع 200 مليون ليرة (حوالى 570 ألف دولار بحساب سعر صرف الدولار الواحد بـ350 ليرة وفقاً لأسعار الصرف حينها). أمّا على أرض الواقع فقد استغرق تنفيذ المشروع حوالى خمسة أشهر وناهزت تكلفته حاجز الـ 600 مليون ليرة (أكثر من مليون وسبعمئة ألف دولار وفقاً لسعر الصرف أعلاه، وحوالى مليون وأربعمئة ألف دولار بحساب سعر صرف الدولار الواحد بـ430 ليرة وفقاً لسعر الصرف مع انتهاء المشروع). ثمّة «مفاجأتان» برزتا مع وضع الخط في الخدمة: الأولى أنّه لم يكن صالحاً فنيّاً لإمرار أكثر من 20 ميغا من التيار في أحسن الأحوال. أمّا «المفاجأة» الثانية وهي الأكبر فمفادها مرور «الخط الذهبي الآمن» عبر منطقة سروج (ريف حماة الشرقي) الخاضعة لسيطرة المسلّحين. لم يدّخر هؤلاء الفرصة بل راحوا يستخدمونه بين الحين والآخر «سلاحاً للمقايضات» تحت طائلة قطعه في حال عدم تنفيذ مطالبهم، قبل أن يتوصل الطرفان إلى «صفقة» مفادُها حصول مسلّحي سروج على «حصّة ثابتة» من واردات الخط مقدارُها 10 ميغا!