في ختام الجولات التفاوضية التي عقدت في الكويت للأطراف اليمنية، والتي رُحلت إلى 15 تموز الحالي، عقد المبعوث الدولي لليمن إسماعيل ولد الشيخ، مؤتمراً صحافياً قال فيه إن خريطة الطريق التي اقترحها تتضمن تصوراً عملياً لإنهاء النزاع، وأكد أنه وضع الأسس لأرضية مشتركة بين الأطراف اليمنية يمكن البناء عليها في المستقبل للوصول إلى الحل النهائي لأزمة البلاد.
لا يملك النظام السعودي أوراق قوة يتفوق فيها على اليمن
عرض ولد الشيخ إنجازات عن النجاح في إيصال المساعدات الإنسانية إلى بعض مناطق النزاع أو تحرير بضع مئات من الأسرى بين الطرفين، رغم أن الادعاء الأخير مشكوك فيه، لأن عملية التبادل جاءت نتيجة مفاوضات محلية وقبلية. لكن لا تصحّ تسمية تلك الأنشطة «المشكورة» بالإنجازات نسبة إلى ارتفاع مستوى الفقر والوضع الاقتصادي الصعب، الذي يعاني منه الشعب اليمني جراء الحصار المفروض عليه من قبل قوات «التحالف»، كذلك إن عدد الأسرى المطلق سراحهم قليل نسبة إلى الآلاف من الأسرى والمفقودين من كل الأطراف.
أما قول ولد الشيخ بأن محادثات السلام اليمنية مقبلة على مرحلة جديدة في الأسبوعين المقبلين، فهذا كلام حمّال أوجه، إذ لا مؤشرات حقيقية على حلحلة أو قدرة لفتح ثغرة في الجدار السميك للمكابرة السعودية التي لا يزال بعض أمرائها مصرّ بالرهان على إحداث خروقات في الميدان وتوظيفه في جولات المفاوضات المقبلة.
وعادة ما تكون المرحلة الانتقالية بين جولات المفاوضات مفتوحة على احتمالات التصعيد والحشد وتبادل رسائل النار بين الأطراف. فالمرحلة المقبلة رمادية يحاول فيها الطرفان أن يثبتا القدرة على المبادرة، على أمل التوظيف والصرف في المحادثات المقبلة، وسياق الأمور فيها حتى الموعد المحدد يتجه نحو التصعيد من قبل الطرفين كل حسب أهدافه وخدمة لسلم الأولويات الخاص به. وإن كان القدر المتيّقن أن الرهان على الحسم أصبح من الماضي.
ترك الوفدان الكويت لتمضية إجازة العيد وللتشاور مع قياداتهما لمدة أسبوعين، ثم ليعاودا جولات جديدة من المحادثات، ليعود على أثرها ولد الشيخ لعرض آخر من الإنجازات المتواضعة من دون الوصول إلى حلول جوهرية للقضية اليمنية. فالأمم المتحدة غير قادرة على فرض أي تصور على الأطراف وجعله قابلاً للحياة مهما مارست من الضغوط، فكيف ستفرض حلاً وسطاً يرضي الطرفين، وهي لم تحتمل الضغط لإبقاء النظام السعودي على القائمة السوداء للأمم المتحدة لأيام محدودة.
أما السقف المخول به ولد الشيخ، فهو الاستمرار بالمفاوضات والتخفيف من حدة النزاع، وعدم تحوله إلى صراع إقليمي خشية من اشتعال الخليج.
حتى كتابة هذه السطور، لا يملك النظام السعودي أوراق قوة يتفوق فيها على اليمن، بل يستمر بمكابرته انسجاماً مع ذهنيته المبنيّة على الغلبة والهيمنة بعيداً عن الحوار والعمل لإيجاد مخارج سياسية، ثم إن السعودية تنطلق من معادلة أنّ الخيار البديل هو هزيمة لها، حتى لو كان حلاً وسطاً، وبالتالي إلى أن ينضج حل فعلي للقضية اليمنية سيواصل السعودي الإمعان في المكابرة.
سيبقى اليمن في القادم من الأيام في دائرة الاستنزاف، وعليه الاستمرار بالتعامل مع الأحداث بالصبر الاستراتيجي الذي تحمّله منذ الأيام الأولى للحرب، وهو يدرك أن تكلفة الصمود والصبر أقل بكثير من تكلفة الوصاية والهيمنة التي احترفت السعودية ارتهانه وإضعافه منذ عقود.