يطغى اسم سيف الإسلام، نجل العقيد الراحل معمر القذافي، على أي حدث في ليبيا. الكلام عن الإفراج عنه هو الحدث. أين هو؟ هل مازال في مدينة الزنتان؟ وما الهدف من إطلاقه؟قبل الإجابة عن المغزى من الإفراج عن الوريث المفترض لمعمر القذافي، لا بد من العودة إلى زمن ما تسمى الثورة الليبية عام 2011. خلع سيف الإسلام بزته الرسمية وقاد مع والده وشقيقيه المعتصم وخميس المواجهة مع المنتفضين على النظام، لكن الغلبة كانت في النهاية لقوات "الناتو" التي دمرت الكتائب، وفتحت الطريق للمنتفضين لحسم المعركة، وقُتل العقيد القذافي والمعتصم وخميس.
بقي سيف الإسلام يتنقل في الصحراء بحثا عن منفذ إلى أفريقيا، قبل أن تتمكن قوات الزنتان من القبض عليه حين حاول الفرار إلى النيجر. لعلّ من حسن حظه أنه وقع في قبضة الزنتان (هو نفسه عبر عن ارتياحه عندما علم أنه بيد أبناء هذه المدينة الجبلية في غرب ليبيا).
رفضت الزنتان في أكثر من مناسبة تسليم سيف الإسلام إلى سلطات طرابلس. لم يكن ذلك من أجل ضمان محاكمه عادلة له، فالرجل يعدّ قيمة كبيرة بالنسبة لهم، وهو محل ترقب في الغرب لقيادته الكثير من صفقات والده، لعل أبرزها إنهاء ملف لوكربي والسجينات البلغاريات. (ويُقال إنه كان يستعد أيضا لفتح حوار مع لبنان لإنهاء قضية الإمام موسى الصدر).
كل هذا دفع قيادة الزنتان للتمسك أكثر بسيف الإسلام، وربما تكون نقطة التحول الأساسية عند قادة المدينة هي معركة طرابلس عام 2014، إذ انّ المواجهة في حينه بين فريقي "الكرامة" و"فجر ليبيا" انتهت بانتصار الأخيرة، وفرضت انسحاب كتائب الزنتان من مطار العاصمة.
لم ينس "الزناته" ما حل بهم على يد الإسلاميين ولاسيما قوات مصراته في طرابلس؛ رد الاعتبار صار مسألة وقت بالنسبة لهم. لذا رفعوا من مستوى التنسيق مع قائد الجيش خليفة حفتر في الشرق الليبي، وفتحوا الأبواب أمام توسيع مروحة تحالفاتهم مع قبائل الغرب الليبي. ثمة مفاتيح لهذه التحالفات، وسيف الإسلام القذافي هو أهمها. الصفقة الأولى مع نجل العقيد كانت بإعادة بعض الهاربين إلى تونس ودول الجوار إلى ليبيا. الصفقة الثانية كانت بضم الكثير من مقاتلي الراية الخضراء (راية معمر القذافي) إلى كتائب الزنتان.
سيف الإسلام يتحول بالنسبة لقادة الزنتان إلى ورقة رابحة: يرفضون كل اغراءات تسليمه إلى المحاكم الطرابلسية، لديهم الكثير من ذارئع الرفض المقنعة، فتعذيب الساعدي شقيق سيف الإسلام ظهر على الشاشات، وقبله رجل المخابرات عبدالله السنوسي، سبقهما أيضا رئيس الوزراء، البغدادي المحمودي، الذي بعث أكثر من رسالة حول تعرضه للتعذيب.
ليس صدفة ظهور سيف الإسلام مع قرب إعلان وساطة دولية بشأن ليبيا

بالنسبة لمحامي سيف الإسلام وأنصاره، هو لم يرتكب جرائم حرب. في كل الأحوال، بات محاموه المنتشرون في دول الغرب يملكون ورقة ضغط قوية حول موكلهم في معركتهم مع المحكمة الجنائية. لكن من الصدف أن يتوفى وزير العدل، مبروك قريرة، جراء أزمة قلبية بتاريخ 2\6\2016، فيما وثيقة الإفراج عن سيف الإسلام هي بتاريخ 15\3\2016، أي قبل ثلاثة أشهر من وفاة الوزير! لماذا لم يفرج عن الوثيقة في يومها؟ هل هي مزورة؟
الوزير قريرة رحل، وما من جواب. والأيام قد تكشف المستور. لكن يبدو أن المشهد قريب من لعبة دولية سيستفيد منها الكثير من الأطراف.
في اللعبة الليبية، يبدو سيف الاسلام أمام فرصة جديدة لاعادة رسم خريطة البلاد. فهو أكثر العارفين بالقادة الإسلاميين الذين أطلقهم من السجون بعد المصالحة التي رعاها ــ رغما عن عدم رضى والده ــ وهم كانوا أول المنقلبين عليه إبان الانتفاضة.
الكثير من القبائل التي قاتلت إلى جانب القذافي وتعرضت للعقاب، تجد في سيف الإسلام اليوم القائد المنتظر لإعادة حقها. فمدينة بني وليد ــ مركز قبيلة ورفله الأكبر في ليبيا ــ تتربص بمصراته التي أذاقتها المرّ بعد نجاح الثورة. ومدينة سرت مسقط رأس سيف الاسلام، ترى في إبنها "المنقذ" من داعش والإسلاميين في الغرب. وفي طرابلس ستكون قبيلة ورشفانة، المتحالفة مع الزنتان أقرب إلى سيف الإسلام لإعادة اعتبارها بعد كل ما تعرضت له من تهميش وقصف على يد الإسلاميين. لدى سيف الإسلام أيضا أنصار في الجنوب، ولا سيما في سبها (أساس قبيلة القذاذفة).
في الشرق الليبي، قد لا يكون لسيف الإسلام موالون من زمن ولده نظرا للخلافات المتجذرة بين بنغازي ونظام العقيد. لكن لا أحد يعلم، فربما تكون مناسبة للتعاون بين الطرفين ضد الإسلاميين، وخاصة أنّ ليبيا اليوم لم تعد تتذكر الكثير من زمن الثورة: الصراع بين النظام والمنتفضين انتهى في وقته، واليوم ثمة صراع آخر، قد يكون سيف الاسلام أحد أركانه.
كل شيء وارد في ليبيا، لكن الأكيد أن الصدفة لم تلعب دورها في ظهور وثيقة الإفراج عن سيف الإسلام الآن بعد وفاة وزير العدل. ليس من الصدفة ظهوره مع قرب الإعلان عن وساطة دولية حول ليبيا ترعاها السعودية أو عُمان.
سيف الإسلام قادر على اداء دور محوري في هذه الفترة. بعض أنصاره خرجوا في أحياء عدة يهتفون باسمه، وهو أمر كان مستحيلا وأشبه بالانتحار قبل أعوام قليلة. بعض أعوانه أكدوا أنه سيعقد قريبا مؤتمرا صحافياً يطلق خلاله الكثير من المواقف.
في المؤتمر الصحافي الأول لسيف الإسلام بعد إعلان الثورة، دعا إلى عقد حوار شامل لإصلاح البلاد أو الاحتكام للقتال لمدة أربعين عاما. ترى ماذا سيقول غداً؟