يستمر الحديث عن خطط توسيع التعاون العسكري بين واشنطن وموسكو، ليشمل ــ إضافة إلى قنوات الاتصال العسكرية ومركز مراقبة «الهدنة» ــ تنسيق الضربات الجوية ضد مواقع التنظيمات المصنفة إرهابية، في ظل رهان الأمم المتحدة على نجاحه لتهيئة الظروف لاستئناف المحادثات السورية في جنيف، في ظلّ زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للكرملن. وفيما لم تصدر أي إشارة رسمية حول تحرك جدي من العاصمتين لتحديد آلية التنسيق، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن وثيقة قدمتها الولايات المتحدة إلى روسيا، بشأن تعاون عسكري بين الجانبين، تضم عدداً من المقترحات، أبرزها تشكيل مجموعة عمل مشتركة تمهّد لإجراء عمليات عسكرية متكاملة مشتركة ضد «النصرة» و«داعش». موسكو جدّدت عبر الناطق باسم الكرملن، ديمتري بيكسوف، الترحيب بتعاون كهذا، مذكّرة بأن الرئيس فلاديمير بوتين كان قد «أعرب عن الأسف مرات عديدة بسبب رفض الشركاء الأميركيين لهذا النوع من التعامل». ومن جانبها واشنطن، اكتفت على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش أرنست، بنفي وجود هذا التنسيق «حالياً»، رغم «وجود مثل هذه التكهنات».وتقترح الوثيقة الأميركية «تشكيل مجموعة تنفيذ مشتركة مع موسكو مقرّها العاصمة الأردنية، عمّان، مهمتها توسيع التنسيق بين البلدين، في إجراءات الطيران والقصف الجوي ضد جبهة النصرة وداعش». و«تضم المجموعة أفراداً من المخابرات المركزية للبلدين»، كما ينص الاتفاق على «ضرورة التنسيق بين المشاركين في العمليات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخبارية في هذا الإطار خلال خمسة أيام من تشكيل المجموعة. ومع التقدم في التنسيق يتم رفع مستوى التعاون إلى إجراء عمليات عسكرية متكاملة مشتركة». ووفق الوثيقة، يجب «وضع أهداف مشتركة فور اجتماع مجموعة التنسيق، ليتم البت فيها من قبل حكومتي البلدين»، و«في مقابل الحصول على مساعدة الولايات المتحدة ضد جبهة النصرة، ينبغي على الجانب الروسي الحد من الضربات الجوية على أهداف (تتضمن مواقع محددة لقوات المعارضة المعتدلة) يتفق الجانبان عليها، وضمان عدم استهدافها من قبل سلاح الجو السوري». وأضافت أنه «يمكن للقوات الجوية الروسية ضرب النصرة من جانب واحد»، في حال كان هناك «تهديد وشيك على قواتها»، مع «عدم السماح للنظام السوري بقصف جبهة النصرة، في مناطق معينة تشهد تداخلاً بين الجبهة وفصائل معارضة (يتم تحديد هذه المناطق لاحقاً)». وتشير الوثيقة، أيضاً، إلى «ضرورة الالتزام باتفاقية وقف إطلاق النار الذي تم خرقه مراراً»، على أن «يعاد استكماله بحلول الحادي والثلاثين من تموز الجاري، من أجل مزيد من التعاون العسكري والأمني، ووضع خطة شاملة لوقف إطلاق النار ووضع إطار جديد لانتقال سياسي».
الأسد: سياسات موسكو لا تستند إلى عقد الصفقات

كذلك، أشادت الأمم المتحدة بأي تعاون روسي ــ أميركي، وأعرب المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عن أمله في أن يسفر الاجتماع الأميركي ــ الروسي عن تحقيق تقدم في عملية التسوية، يتضمن «وقف القصف العشوائي والتوصل إلى صيغة للانتقال السياسي». وقال إن الولايات المتحدة وروسيا أجرتا الكثير من المحادثات غير الرسمية، مضيفاً أن «الأيام القليلة المقبلة حاسمة للتأكد من موقفيهما».
ومن جانبها، أعربت الرياض عن ترحيبها بأي «تعاون أميركي ــ روسي يستهدف إنهاء حكم نظام الأسد». وأوضح وزير خارجيتها عادل الجبير، خلال مؤتمر صحافي، أنه «يجب أن تمضي سوريا نحو عملية انتقال سياسي تنص على إنشاء مجلس حكم انتقالي، له صلاحيات كاملة في إدارة شؤون الدولة، وبما يؤدي إلى سوريا جديدة دون وجود بشار الأسد».
إلى ذلك، جددت وزارة الخارجية الروسية، على لسان المتحدثة باسمها ماريا زخاروفا، تأكيد ضرورة الفصل بين مواقع «المعتدلين» و«الإرهابيين»، مشيرة إلى أن «بعض الجماعات المعتدلة تعمل بالتنسيق مع النصرة». وأوضحت أنه يجب أن تكون الأولوية هي مكافحة الإرهاب وليس مصير الرئيس السوري، موضحة أن بلادها «أعلنت مراراً أنها لا تؤيد الأسد شخصياً، ولكنها تسعى للحفاظ على الدولة السورية ودعم القوى التي تتصدى للإرهاب عملياً». وحذّرت زخاروفا من أن «سقوط سوريا بأيدي الإرهابيين سيؤدي إلى عواقب وخيمة، ليس فقط بالنسبة لسوريا بل لعموم المنطقة وأوروبا».
أما دمشق التي تعمل قواتها تحت غطاء جوي روسي، فقد أوضحت على لسان الرئيس بشار الأسد أن هذه المزاعم تأتي في سياق إظهار الأميركيين في موقع المقرر لما يحصل في سوريا، مذكّراً بالموقف الروسي الدائم حول أحقية السوريين فقط في تقرير مستقبل بلادهم. وفي السياق نفسه، أعرب عن عدم تخوف بلاده من تنسيق كهذا، لكون «السياسات الروسية لا تستند إلى عقد الصفقات بل إلى القيم» على عكس الأميركيين. وشكّك الرئيس السوري، في مقابة مع قناة «NBC» الأميركية، في نيّة واشنطن و«التحالف الدولي» القضاء على «داعش»، مشيراً إلى أن واشنطن تعمل على استخدام تلك التنظيمات الإرهابية في محاولات إسقاط الحكومة في سوريا. وجدّد الأسد تأكيده أن بقاءه في منصبه رهن لإرادة الشعب السوري، مشيراً إلى أنه يأمل أن يُذكر في التاريخ أنه «الرجل الذي حمى بلاده من الإرهاب ومن التدخل وحافظ على سيادة ووحدة أراضيه».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)