فلسطين... أزمة الرؤية والإدارة

  • 0
  • ض
  • ض

تعيش حركة التحرر الفلسطينية أزمة مركبة ومعقدة، تشمل الرؤية والخطاب وكذلك الأداة، بالإضافة إلى الأدوات. منذ رفع شعار التحرر واعتماد «منظمة التحرير» والميثاق الوطني الفلسطيني وأسلوب الكفاح المسلح، استخدمت حركة التحرر عدداً من الأدوات لتحقيق ذلك، عبر العمل الفدائي الذي أسست له المنظمات الفلسطينية المختلفة، وقد جمعتها راية «المنظمة»، وبعضها نفذ عمليات اختطاف طائرات.

كان الأشهر في ذلك المناضل الشهيد وديع حداد، المنتمي آنذاك إلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
تعددت الأساليب والأدوات تحت ظل «منظمة التحرير» وقائدها التاريخي أبو عمار، وهكذا كانت المنظمة وقائدها علمَيْ وحدة لفلسطين، الأرض والشعب والقضية. لكن قضية فلسطين دخلت نفق تقسيم الأرض والشعب، وكذلك تقسيم القضية، وتحديداً بعدما خرجت مصر من ساحة الصراع العربي الصهيوني بتوقيعها اتفاقية منفردة مع الكيان الصهيوني، ثم دخلت «المنظمة» نفق الدول العربية الباحثة عن احتلال الموقع العربي لمصر. من ثم عاشت قضية فلسطين و«المنظمة» صراع المحاور التي تديرها الأقطار العربية، خاصة النفطية، وأثّر ذلك كثيراً في القضية وكذلك منظمتها وفصائلها، عبر إغراقها بمال النفط. كذلك كانت هناك أقطار أخذت موقع معارضة «كامب ديفيد» وأطلقت على نفسها محور الصمود والتصدي، خاصة سوريا والعراق، وفي هذه المسالك تاهت القضية الفلسطينية.
واكب تلك المتغيرات أن وقّع الأردن اتفاقية وادي عربة ثم دفعت «منظمة التحرير» إلى الاعتراف بدولة الاغتصاب الصهيوني، بل حذفت بعض المواد التي تشمل التعبير عن الكفاح المسلح طريقاً لتحرير فلسطين، وأعطيت «المنظمة» بعض الأراضي وبعض السلطة. فولدت لنا دولة لها علم ونشيد وبعض السلطة لإدارة المرافق... وناطحتها سلطة حمساوية إخوانية في غزة، تأسست عبر تنظيم «الإخوان المسلمين»، مبنية على مفهوم الجهاد الديني وإقامة فرع لدولة فلسطين الإسلامية.


انقسامات عدة
على مستوى الجغرافيا وسلطات الحكم
والتوزع السكاني

كان ذلك كله مسماراً في وحدة الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين، بعدما كان هناك العديد من قيادات نضال حركة التحرر من العرب والفلسطينيين المسيحيين مثل جورج حبش ونايف حواتمة ووديع حداد وآخرين. لكن وجود سلطة «حماس» في غزة وسلطة أبو مازن في أجزاء من الضفة، أسسا في فلسطين سلطتين: سلطة قائمة على الجهاد والتفاوض على أسس إسلامية، وسلطة قائمة على القبول بالممكن، لذلك تمنع عبر التنسيق الأمني مع دولة الكيان الصهيوني النضال السلمي من تظاهرات وانتفاضات، بل إن رئيسها أبو مازن يتحدث علانية عن بذله الجهد كي يمنع ظاهرة فتية السكاكين التي انتشرت أخيراً.
على مستوى الأرض، صارت قضية فلسطين تعبيراً عن تجزئة المجزأ: غزة والضفة والقدس... ولا يمكن الحديث عن فلسطين واحدة. وعلى مستوى الشعب الفلسطيني: الفلسطينيون في مناطق 48 وفلسطينيو الضفة وفلسطينيو غزة بالإضافة إلى فلسطينيي الشتات في المخيمات أو في المهاجر الأوروبية والعربية. على مستوى السلطة سلطتان: سلطة أبو مازن في الضفة وسلطة «حماس» في غزة. الأولى تؤسس شرعيتها على الاتفاق الفلسطيني ــ الإسرائيلي وبعض الهبات والتبرعات الآتية من الدول الأوروبية، والأخرى (الحمساوية) مؤسسة على المفهوم الديني، ما سبّب أعلى نسبة هجرة لمسيحيين عرب من فلسطين.
اختلط الحابل بالنابل، ولم نعد نعرف ما هو الخطاب الفلسطيني الذي يروج الآن: هل هو خطاب التحرير أم خطاب المفاوضات؟ هل هو خطاب بناء الدولة الوطنية أم الدولة الإسلامية؟ هكذا تعيش القضية الفلسطينية أزمة في خطابها السياسي التحرري، وعاشت كذلك أزمة شرعية في أداتها كـ«منظمة التحرير»، وبالذات بعدما وقعت اتفاقية مع الكيان الصهيوني وتأسس لها شبه دويلة بلا سلطة، إلا سلطة تحقيق الكلفة الأقل للاحتلال الصهيوني. كل هذا حصل في ظل بيئة عربية هادنت العدو ووقعت مع اتفاقات صلح منفرد، سواء أحصل ذلك من طريق مصر (أكبر دولة عربية) أم الأردن، وفي ظل طغيان لدول النفط الخليجي وارتباط مصالحها بالغرب، لذلك كانت هذه سبباً في حصار فلسطين وقضيتها وشعبها وفرض الخيار الوحيد الذي زينته قوى الغرب الاستعماري والدول الرجعية العربية وقيادات شاخت وهادنت من «منظمة التحرير».
حصل كل ذلك في بيئة عالمية انفردت فيها الولايات المتحدة بقمة النظام الدولي بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي (القطب الثاني في نظام الثنائية القطبية الذي كان سائداً بعد الحرب العالمية الثانية)، ومن جراء متغيرات كبرى نالت من البيئة الدولية وكذلك البيئة العربية وأيضاً الفلسطينية. من هنا كان من الطبيعي أن يمرّ الخطاب الوطني الفلسطيني في أزمة تغير عن القضية، وكان من الطبيعي أن يحدث شرخ عميق في شرعية تمثيل «منظمة التحرير» للقضية وللشعب. هنا لا بد من طرح سؤال: ما العمل؟ في ظل متغيرات كبرى شملت الإقليم والأمة، وخاصة انتفاضات ما سمي الربيع العربي، الذي كان سبباً في الإبعاد التام لقضية فلسطين عن أجندة المسؤولين العرب وكذلك أجندة القوى الوطنية العربية... ما العمل؟

0 تعليق

التعليقات