طوعًا أو كرهاً، اضطر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وخصمه السياسي المفصول من حركة «فتح»، محمد دحلان، إلى غمد سيف الخلاف، لو مؤقتًا، وذلك أمام استحقاق الانتخابات البلدية التي ستؤثر نتائجها في تحديد التوازنات السياسية داخل الساحة الفلسطينية. يضاف إلى ذلك خشية «فتح»، وأطراف عربية من خلفها، من خسارة الحركة، هذه الجولة أمام «حماس»، التي تستشعر بدورها القوة مقابل «فتح الممزقة».لم تخف أطراف عربية، كالإمارات ومصر، رغبتها في إنهاء الخلاف بين عباس ودحلان منذ أشهر طويلة، بل قادت جولة وساطات نجحت أخيرا في «إطفاء الحرائق داخل البيت الفتحاوي» استعدادًا لورقة الانتخابات البلدية التي تجمع الفصائل الفلسطينية في ساحة النزال السياسي للمرة الأولى منذ عشر سنوات.
من علامات الاتفاق تصريح دحلان بدعم القوائم الفتحاوية

أولى بوادر الاتفاق كانت تخفيض نبرة الخلاف والتوقف عن الملاسنة الإعلامية، كما اتفق على السماح لكوادر من تيار دحلان بالترشح للانتخابات البلدية، وأن يتوقف رئيس الحركة، محمود عباس، عن قرارات فصل مؤيدي خصمه، وفق ما يفيد مصدر قيادي يناصر دحلان في غزة.
هذا القيادي، الذي يسكن في رفح، قال إن هناك اتفاقا على ترشيح «قوائم مهنية مشتركة تحظى بنهاية المطاف بمباركة دحلان، فيما يدعمها الأخير ويدعو صفوفه إلى ترشيحها»، وهو فعلا ما تعهد به الأخير عبر صفحته على «فايسبوك» بطريقة غير مباشرة.
لكن لم تحسم بعد التوافقات حول طبيعة القوائم، لوجود خلاف في سياسة التعيين التي تتجه «اللجنة المركزية لفتح» نحو اعتمادها، وبين سياسة الترشيح التي ينادي بها دحلان وتقضي باختيار القائمة عن طريق أمناء مجالس الأقاليم (المناطق).
ويكشف ذلك القيادي أن زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى رام الله قبل أسبوعين، كانت قد حسمت الخلاف بين عباس ودحلان حول تشكيل القوائم الحركية الانتخابية، فيما نقل شكري إلى عباس أن «المصالحة مع دحلان مصلحة قومية وسياسية وواجبة للفوز في الانتخابات البلدية».
الأمر نفسه ذكره مقربون من عباس في حديثهم إلى «الأخبار»، قائلين إن الوزير المصري أقنع عباس بضم بعض مؤيدي دحلان، وأن يكون للأخير دور في عملية الاختيار، على أن يحظر عليه عقد أي تحالفات مع «حماس».
في غضون ذلك، رفض عدد من قيادات «فتح» التعليق على الاتفاق مع دحلان، وهو ما يوضح أن الحركة لا تزال تعاني انقساما هو الأكبر منذ رحيل ياسر عرفات، يزيد عليه خلافاتها مع الفصائل التي تشاركها في «منظمة التحرير». لكن محمود العالول، وهو عضو في «مركزية فتح»، لمح إلى اتصالات مع دحلان اتفق فيها على تشكيل قوائم مهنية بعيدا عن أسماء أو حصص».
ويشغل دحلان منصب مستشار محمد بن زايد (نائب الرئيس الإماراتي)، ويعرف بنفوذه السياسي والمالي مع الإمارات. وقد تعهد في التسجيل الأخير عبر صفحته أن يسخر كل إمكاناته لإنجاح «قائمة فتح» بشرط أن يكون المرشحون من «الكفاءات الوطنية لا ضمن قوائم سياسية دون اعتبار للكفاءات أو للتخصص».
على أرض الواقع، تسلل دحلان إلى غزة مجددًا عن طريق «لجنة التكافل» التي ضمت نوابًا من أنصاره (أشرف جمعة وماجد أبو شمالة)، مع نواب من «حماس» كصلاح البردويل وإسماعيل الأشقر، إضافة إلى خالد البطش من «الجهاد الإسلامي»، وجميل مزهر («الجبهة الشعبية»). وفيما رعى عددًا من المشاريع بصورة مباشرة أو غير مباشرة مؤخرًا، أثار ذلك غضب عباس، الذي رأى أن هناك تحالفا بين دحلان و«حماس» التي سمحت له بفتح مكاتبه ولأنصاره بتنظيم التظاهرات.
وبرغم توقف المشاريع الإماراتية في غزة، فإنها لم تلغ حقيقة التحالفات السياسية التي ولدتها تلك اللجنة بين دحلان وأطراف أخرى، بل يمكن أن تنسج خيوطًا دقيقة أسفل الطاولة في الانتخابات البلدية، كما فعلت من قبل.
وأساساً، لم يفوت دحلان فرصة خلافه مع عباس ليستفيد من أي تقارب مع «حماس» أو حتى قوى اليسار، وبذلك ظل يحقق مداخل مناسبة لتقوية نفسه. وكل الظروف بالنسبة إلى الرجل مواتية لتحقيق مآربه، فالاحتلال الإسرائيلي يرى فيه الرجل الأفضل لتحقيق تسوية شاملة (بسبب علاقته القوية بالخليج وبمصر وبالأردن) فضلا عن تقديم المزيد من التنازلات.