تسير مصر نحو هوّة اقتصادية فارقة شيئاً فشيئاً بعدما باتت خطوات تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي لصرف قرض باثني عشر مليار دولار تتكشف، أو تخرج إلى حيّز العلن، وهي خطوة ما قبل التطبيق. صحيح أن الحكومة لم تكشف تفاصيل ما اتفقت عليه حتى الآن مع الصندوق بصورة كاملة، ولكن مسؤولي بعثة الصندوق أكدوا الوصول إلى صيغة توفر العملات الأجنبية بسعر موحد وبسهولة من البنوك قريباً. وهو أمرٌ يعبّر عن موافقة نهائية على القرض، في انتظار الانتهاء من الإجراءات الحكومية التي ستفرض على الجمهور وبعض المؤسسات قبل تخفيض قيمة الجنيه مجدداً بنسبة قد تصل إلى 30% من قيمته. وبذلك تكون العملة المصرية قد خسرت خلال العام الجاري نحو 43% من قيمتها أمام نظيرتها الأميركية.
المالية تفجّر مفاجأة بدراسة ضرائب جديدة غير القيمة المضافة
وينتظر تحرير سعر الصرف الحصول على عدة قروض بالتزامن مع الشريحة الأولى من «صندوق النقد» التي يفترض أن تصل قبل نهاية العام الجاري، علماً بأن البنك المركزي ووزارة المالية في القاهرة أكدا أن تحريك سعر الصرف سيكون بعد وصول الاحتياطي النقدي إلى 20 مليار دولار، وهو الرقم الذي تأمل الحكومة تحقيقه قبل نهاية العام، وذلك بالحصول على شرائح مختلفة من القروض الأخرى التي أبرمتها، بخلاف قرض «النقد»، وتصل قيمتها مجتمعة إلى نحو عشرة مليارات دولار تسلم هي الأخرى على دفعات خلال ثلاث سنوات.
شروط الصندوق «صعبة وقاسية»، وهذا ما يفسّر تكتّم الحكومة عليها، لكن الأخيرة تمثل الرئيس عبد الفتاح السيسي في التراجع العملي عن وعوده بالمحافظة على ثبات الأسعار، خاصة في بعض الخدمات مثل مترو الأنفاق الذي شدد السيسي سابقاً على عدم المساس بسعر تذكرته، خاصة أن عدد من يستخدمونه يزيد على مليوني مواطن يومياً ــ على الأقل ــ للتنقل في القاهرة الكبرى، كذلك تستخدمه غالبية الموظفين ومحدودي الدخل الذين لا يمتلكون السيارات.
وفيما يحاول السيسي نسيان حديثه عن عدم المساس بمحدودي الدخل، تعتزم الحكومة زيادة سعرة التذكرة لتكون جنيهين بدلاً من جنيه واحد. ويسير كل ذلك في خطة تدريجية تستهدف الوصول إلى سعر خمسة جنيهات (1 دولار = 8.5 جنيهات، أو 12.5 جنيهاً في السوق السوداء)، وفق تصريحات رئيس «لجنة النقل» في مجلس الشعب، على أن تحدث الزيادة على مراحل خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو ما ينذر بقنبلة اجتماعية يمكن أن تنفجر في أي لحظة.
وتبدو قدرة «الجنرال» على الاحتفاظ بوعوده للفقراء غير حقيقية، وذلك ليس محصوراً بشروط «صندوق النقد» التي ستزيد الأسعار في مختلف القطاعات؛ إذ بالتوازي مع ذلك، فإنه بعد نحو عام من رفع سعر غالبية تذاكر سيارات النقل الجماعي في القاهرة، لتكون مضاعفة، رغم الحافلات المقدمة من الإمارات والسعودية ضمن المنح الخليجية، تستعد وزارة الكهرباء لإعلان سعر تكلفة جديد للأسعار مطلع تموز المقبل (العام المالي الجديد). هذه الزيادة تعني تحميل المواطنين ما سوف يحسم من الدعم الحكومي، وهي أيضاً ستكون الزيادة قبل الأخيرة من رفع الدعم النهائي عن الكهرباء على مختلف الشرائح بحلول 2018، علماً بأن الحكومة تتوسع في إنشاء محطات الكهرباء بصورة لافتة في هذه المرحلة.
وحتى الآن، لا خطة حكومية محددة لتصنيف محدودي الدخل والفئة التي تستحق الدعم، فالرئيس تحدث عن قائدي السيارات، وهي فئة تقع غالبيتها ضمن متوسطي الدخل الذين يعانون بسبب الزيادة الكبيرة في الأسعار منذ شهور. كذلك صارت غالبية معارض السيارات في البلاد تعمد إلى تقسيط السيارات لعملائها بسبب عجزهم عن سداد ثمنها بالكامل، وهي ظاهرة مستجدة عليهم، إضافة إلى أن الزيادة الكبيرة في أسعار البنزين ستجعل من المصريين يشترون هذه المادة الحيوية بالسعر العالمي تقريباً، في ظل تواصل انخفاض الدعم المخصص للمواد البترولية.
ولا يبدو حظ الرئاسة وفيراً في إمكانية تخطّي التبعات الاقتصادية للقرارات التي تنفذها الحكومة بصفتها الذراع التنفيذية للدولة، كذلك فإن موجات الغلاء المتزايدة في ظل ارتفاع نسبة البطالة وثبات الأجور باتت تهدد بتحويل الطبقة المتوسطة لتصير ضمن الطبقات الأكثر فقراً. والأسوأ هو مفاجأة وزارة المالية بدراسة إجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل، لتفسح النية عن مزيد من الضرائب التي تسعى الدولة إلى إقرارها، ما عدا ضريبة القيمة المضافة التي سيقرّها البرلمان خلال الأسبوع المقبل في جلسته العامة، ويتوقع أن تكون قيمتها 13%، وتشمل غالبية السلع.