انتهى تغيير الأنظمة والرؤساء بالمصريين إلى سياسة الصوت الواحد والبطش الأمني وتخوين المعارضين. لكن يبدو أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد لا يكون وحده في سباق الانتخابات الرئاسية الذي تبقى عليه أقل من 18 شهراً، خلالها سيظهر إن كانت هناك فرصة لتغيير موازين القوى في بلد تعاقبت على تولي شؤونه خمسة أنظمة في ست سنوات، منذ «ثورة 25 يناير».ولا تبدو فرص الفوز حتمية للسيسي مع أنه لا يزال يحظى بدعم مختلف أجهزة الدولة وقطاع جماهيري عريض. هو يستند بكل ثقله إلى المؤسسة العسكرية التي نشأ فيها، فالجنرال ووزير الدفاع لم يقدم على عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي ثم الترشح للانتخابات الرئاسية لولا ثقته بدعم وبمساندة من فئات عدة نجح في توفيق أوضاعها وحمايتها من التقلبات الاجتماعية.
في مقدمة هؤلاء، يأتي رجال الجيش والشرطة والقضاء والعاملون في الأجهزة السيادية التي تعد التقارير الأمنية والاستشارية للرئيس، ولكنه في الوقت نفسه ترك فئات أخرى كبيرة كالفلاحين والعمال والموظفين ضحية الإجراءات التقشفية وارتفاع الأسعار المطرد وخاصة في الشهور الأخيرة.
وما يزيد الجدل في البلاد حدوث موجة جديدة من ارتفاع الأسعار في ظل إقرار ضريبة القيمة المضافة التي يتوقع أن ترفعها بنسبة لا تقل عن 10% مع زيادات أخرى في تكاليف المواصلات والكهرباء والمياه وكذلك دراسة فرض ضرائب أخرى، وهي كلها ليست إلا مقدمة لآثار إقرار الاقتراض الواسع.
استطلاعات الرأي، التي قاست شعبية الرئيس في الشهور الماضية، تؤكد انخفاضها بمستويات قياسية، وهو ما يتطلب مجهودا كبيرا، ليس من التيار الذي سينافس السيسي فحسب، بل من كثيرين يعرفون ضرورة انتشار العمل على تعزيز الشعبية في المحافظات وعدم التركيز على العاصمة ووسائل الإعلام، وخاصة أن تجربة المرشح حمدين صباحي في الانتخابات الماضية أكدت أن الحضور في الشارع خاصة خارج العاصمة له دور كبير.
تخرج دعوات لتمديد ولاية السيسي وحتى لإمكانية ترشحه لمرة ثالثة

آنذاك، لم تكن مشكلة حمدين، المحسوب على التيار الناصري، في خسارة الانتخابات بفارق كبير، ولكن مراقبين يرون أن برنامجه وأفكاره لم تصل عددا كبيرا من الدوائر التي حصل فيها على صفر انتخابي.
لا جدال في إدراك مؤسسة الرئاسة تراجع شعبية السيسي، وهو ما يحاول الرجل التغلب عليه بالكلمات العاطفية التي يلقيها في المناسبات المختلفة، كما أن هذا الانخفاض هو تأخير الحديث عن إجراء تعديلات دستورية تتضمن تعديل قيد مدتين رئاسيتين فقط دون أن يكون لرئيس الجمهورية حق الترشح مجددا، وخاصة أن نتائج الاستفتاء في هذه القضية لن تكون مضمونة كليا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تمديد الولاية الرئاسية من أربع سنوات إلى ست، وهي فكرة تطرح في الساحة السياسية بين حين وآخر.
برغم ذلك، تتوقف فرصة أي تيار جديد على قدرته على الانتشار وجذب مزيد من القوى الوطنية للالتفاف معه، في وقت صار يعاني فيه «ائتلاف دعم مصر» (يضم أحزابا وتيارات سياسية شكلتها الجهات الأمنية لخوض الانتخابات البرلمانية على قائمة موحدة) انقسامات تجعل من الصعب توقع مصيره بعد عام ونصف عام، هي المدة الباقية للرئاسيات.
وصحيح أن أحزابا مثل «الوفد» وممثلي «الائتلاف» المحسوبين على جهات معينة لن يقبلوا مرشحاً منافساً للسيسي، لكن تبقى هناك فرصة جيدة للتيار الجديد، مدعومة بأحزاب تحاول التغيير مثل «المصري الديموقراطي الاجتماعي» وبعض القوى التي شاركت في «ثورة 25 يناير» وليست راضية عن أداء الرئاسة.
كذلك يمكن رصد توسع هذه الفرصة عبر قطاع الشباب الذي صار ساخطا بشدة على السيسي، وخاصة الجامعيين والخريجين ممن يعانون مشكلات الأجور الزهيدة والبطالة بالإضافة إلى مضايقات الجهات الأمنية المتنوعة. ومن اللافت أيضا لمس تغير في آراء الشريحة الأكبر الداعمة للسيسي من كبار السن الذين شعروا بالملل من الوعود مقابل زيادة رهيبة في الأسعار لم يروا مثيلا لها في حياتهم، وهو ما قد يغير تركيبة المشاركين في الانتخابات المقبلة كليا.
فمن 96% حصل عليها السيسي (شهدت شعبيه تراجعا لا يقل عن 15% مؤخرا)، كانت الغالبية من كبار السن وسط عزوف شبابي عن المشاركة أصلا، وهو ما يعني أنه في حال استبدال المعادلة بالشباب وعزوف كبار السن قد تكون النتيجة خارج طموحات الرئيس، ولا سيما أن مراقبة المجتمع المدني والإشراف القضائي والتصوير من المقدر أن تمنع أي عمليات تزوير في أوراق الاقتراع على غرار ما كان يحدث إبان نظام حسني مبارك، فضلا عن الثقة بنتائج الاقتراع التي بدأت تنمو لدى قطاعات عدة من المصريين خلال السنوات الماضية.
لا يمكن أيضا إغفال الأصوات المحسوبة على «الإخوان المسلمون»، وهي لن تؤيد السيسي مطلقاً حتى إن اضطرتها القبضة الأمنية إلى السكوت مؤقتاً. وجراء الخلاف بين الشباب الإخوانيين وقياداتهم، من الممكن أن يدعم الشباب أي صوت معارض للسيسي، وخاصة لو أتاح لهم فرصة العودة إلى الحياة مجدداً.
هي بالمناسبة حياة ليست سياسية فحسب، ولكنها مرتبطة بالحياة الاجتماعية التي فقدوا الأمان فيها بعد وصمهم بالانتماء إلى جماعة إرهابية أو لمشكلات مرتبطة بوجود أفراد من عائلاتهم محبوسين على ذمة قضايا دون محاكمات عادلة ناجزة... أو حتى آخرين سقطوا ضحية للاستقطاب السياسي الذي أعقب عزل الجماعة عن الحكم، وهو تحرك يأتي مدعوماً بعودة أنشطة أعضاء الجماعة عبر النقابات المهنية، لكن على استحياء.