حالما تقترب طائرة «اليمنية» من الوصول إلى مطار «بيشه» في منطقة عسير (الواقعة تحت سيادة السعودية منذ عام 1934)، حتى يوجّه قائد الرحلة خطاباً قصيراً لركاب الطائرة، قائلاً: «نتمنى من كل راكب تجهيز جواز سفره، بعد هبوطنا المؤقت في هذا المطار سيصعد سعوديان، أحدهما ضابط يمرّ عليكم للتدقيق في جوازات سفركم، والآخر يقف على مدخل الطائرة ينادي على أسمائكم، نرجو منكم التزام الهدوء وعدم الدخول مع هذين الشخصين في أي نقاش أو القيام بأي مهاترات قد تعمل على تأخير الترانزيت الذي ربما يستمر لأكثر من ست ساعات، كما يُمنع التصوير منعاً باتاً».ويتكرر هذا الخطاب مع كل رحلة تغادر مطار صنعاء أو في عودتها إليه، إذ يجب على الرحلتين المرور في «ترانزيت» في ذلك المطار الصغير والهدف المعلن منه: تفتيش الحقائب والتأكد من هويّات الركاب.
دخل هذا الإجراء حيز التنفيذ بعد صدور قرار مجلس الأمن الرقم 2216 الذي نجحت السعودية في استصداره مع بداية عدوانها في نهاية آذار من العام الماضي، ليشرعن حصاراً جوياً وبحرياً وبرياً على اليمن تحت عنوان منع دخول الأسلحة إليها، لكن، السؤال الذي يثار بشأن الحصار الجوي: ما هو حجم وكمّية السلاح الذي يمكن تهريبه عبر طائرة مدنية؟
أغلب الرحلات هي لمرضى يبحثون عن علاج في القاهرة أو عمّان

وقد شرح الواقفون خلف الإجراء المذلّ في المطار السعودي، بأن الهدف منه هو «منع شخصيات حوثية كبيرة أو تابعة لعلي عبد الله صالح من السفر خارج اليمن»، لكن الجميع يعلم بأن الشخصيات البارزة من الجهتين ترفض السفر عبر مطار سعودي وتسافر عند الحاجة عبر طائرة خاصة أمّنتها حكومة سلطنة عمان. وتمنع الرياض حالياً وفد صنعاء الذي يضمّ أعضاء من حركة «أنصار الله» وحزب «المؤتمر الشعبي العام» من العودة إلى العاصمة اليمنية بعد مغادرتهم العاصمة الكويتية إثر تعليق المحادثات. وتشترط السعودية عودتهم عبر مطار بيشه وليس عبر مطار عُمان مثل كل مرة.
هنا تتجلى عبثية هذا الإجراء، فيتضح أن لا هدف حقيقياً من وراء ذلك «الترانزيت» سوى رغبة نظام آل سعود في الظهور على هيئة من لا يزال ممسكاً باليمن من عنقه، وبقائه نقطة التواصل الوحيدة مع العالم، بما أن هذا النظام لم يستوعب بعد أن اليمن لم تعد «حديقتهم الخلفية».
ويتأكد ذلك «العبث» من خلال متابعة الاجراءات التي يقوم بها الشخصان الصاعدان إلى الطائرة. البداية تكون مع ضابط الأمن الذي يمر على كل راكب مفتشاً في جواز سفره ومدققاً في وجهه لمطابقتها مع الصورة. قد يبدو هذا عادياً، إلا أن غير العادي هو ما يحصل عند مطابقة جوازات سفر النساء اليمنيات مع وجوههن الحقيقية، إذ إن غالبيتهن من المنقبات. وكما هو معلوم، ليس لدى المملكة عناصر أمنية من النساء ويستحيل أن توافق اليمنية المنقبة على كشف وجهها أمام شخص غريب. في هذه الحالة، يكتفي الضابط بتأمل الصورة على جواز السفر ثم يعيده إلى صاحبته... من دون معرفة كيف تيقّن من أن حاملة الجواز هي الشخص نفسه الجالس أمامه!
ولاحقاً، يمر الركاب فرداً فرداً أمام رجل يرتدي الزي السعودي التقليدي، ويقف في مقدمة الطائرة حيث يكرر الحركة «العبثية» نفسها، فيقرأ أسماء الركاب المكتوبة وهي الاسماء التي يتم إرسالها إلى مطار بيشه قبل انطلاق الرحلة باتجاهه.
وعبر نافذة قريبة من مؤخرة الطائرة، يمكن ملاحظة عمّال أجانب يُنزلون حقائب الركّاب من أجل تمريرها على جهاز الكشف الضوئي المُفترض وجوده داخل المطار. لكن اللافت أنه لا يمضي وقت كثير، عشر دقائق كحدّ أقصى لتعود الحقائب إلى الطائرة مرة أخرى، فمتى يستطيعون كشف أكثر من ثلاثمئة حقيبة خلال ذلك الوقت القصير؟
ويحدث أحياناً، وبحسب ما قاله لنا أحد مضيفي الطائرة حصول تلاسن بين أحد الركّاب والضابط السعودي بعد دخولهما في نقاش حول العدوان فينزل الأخير من الطائرة ولا يعود إلا بعد ساعة أو ساعتين، في تصرف كيديّ. أما المتضرر الأكبر من هذا التأخير فهم كبار السنّ والمرضى الذين لا تخلو طائرة يمنية من وجودهم على متنها، إذ إن أغلب الرحلات اليمنية هي لمرضى يبحثون عن علاج في القاهرة أو عمّان، أو يريدون الانطلاق من هاتين العاصمتين إلى بلدان أخرى بما أن العاصمتين المصرية والأردنية، هما النقطتان الوحيدتان اللتين تصلهما الطائرات اليمنية منذ بدء الحرب.