بينما ترزح علاقة أنقرة بحليفتها التقليدية واشنطن تحت تبعات الانقلاب الفاشل، تتابع العلاقة مع موسكو تطوّرها بشكل ملفت على مختلف الأصعدة، وأهمّها القضية السورية. عودة الودّ بين البلدين ليست حدثاً عابراً على مقياس الحل في سوريا، وهو ما بدا واضحاً في الترحيب الذي أبداه المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، عقب الزيارة الرسمية التركية إلى سانت بطرسبرغ الروسية، حيث أعرب عن أمله في أن يقود التقارب إلى نتائج إيجابية ملموسة على الأرض. التفاؤل الأممي أتى من معرفة بحجم الدور التركي وأهميته في دعم الجماعات المسلّحة الناشطة ضمن الميدان السوري، والتي تعدّ تركيا منفذها الاستراتيجي الأهم، والوحيد على جبهات الشمال. وبالتوازي مع توسع عمليات التعاون بين موسكو وطهران ودمشق، خرجت أنقرة لتعلن عن آلية لتنسيق العمليات العسكرية مع الجانب الروسي، بالتزامن مع زيارة مرتقبة للرئيس رجب طيب أردوغان لطهران. وفي ضوء تصريحات رئيس وزرائها بن علي يلدريم بأن سوريا ستشهد تطورات جميلة خلال الفترة المقبلة، والزيارة المخططة خلال الأشهر المقبلة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لأنقرة، ينتظر أن تجد القنوات المشتركة النشطة بين البلدين قواسم مشتركة للعمل على حل سياسي في سوريا، قد ينطلق من قدرة أنقرة الاستراتيجية على الضغط على طيف واسع من الفصائل المسلّحة ودفعها إلى الالتزام بأي هدنة مفترضة، على عكس العجز الذي وصل إليه التنسيق الروسي ــ الأميركي، بعد فشل واشنطن في العمل مع فصائلها «المعتدلة».
هدّد أردوغان باستهداف «الوحدات» الكردية في سوريا
تطور العلاقة التركية ــ الروسية وصفته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا بأنه يجري بصورة «بنّاءة وإيجابية»، مضيفة أن «الخلاف لا يمكن حله خلال يومين، لكن العمل يجري لتجاوزه على جميع المستويات والأطر». ولفتت إلى التقدم الذي حدث خلال الأشهر الستة الماضية بين موسكو وواشنطن، حول صياغة مقاربات مشتركة من القضية السورية، مؤكدة أن «اختلاط مواقع الإرهابيين وفصائل المعارضة المعتدلة يمثل حجر العثرة»، وموضحة أن عملية الفصل تلك «تقترب من طريق مسدود». وفي السياق، رأى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن إيجاد حل دائم للأزمة السورية لا يمكن أن يتحقق من دون مساهمة من روسيا، داعياً إلى تعاون صادق على الصعيد الدولي للحيلولة دون تأزم الأوضاع بشكل أكبر في سوريا.
وبالتوازي، تزداد العلاقة التركية ــ الأوروبية تعقيداً بعد تسريب تقرير ألماني حكومي يتّهم تركيا بأنها أصبحت «مركزاً للجماعات الإسلامية المتشددة»، وأن الرئيس رجب طيب أردوغان لديه «تقارب فكري» مع حماس وجماعة الإخوان المسلمين وجماعات المعارضة الإسلامية المسلحة في سوريا.
وبالتزامن، هاجم أردوغان الدول الغربية التي دعمت الأكراد في شمال سوريا، موضحاً أن بلاده «حذرت من مغبة إلقاء الأسلحة جواً على سوريا، وقلنا إنّ نصفها سيقع بيد منظمة «ي ب ك» (وحدات حماية الشعب الكردية) والنصف الآخر بيد داعش». ولفت خلال كلمة ألقاها في المجمع الرئاسي، أمام وفد من اتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي، إلى استعداد بلاده لضرب تنظيم «ي ب ك» في حال «اقتضت الضرورة»، كونه «يشُكّل تهديداً ضد تركيا».
وعلى صعيد آخر، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف أن موسكو «مستعدة لدعم مقترح دي ميستورا، حول تهدئة إنسانية لإدخال المواد الغذائية والطبية لسكان مدينة حلب»، موضحاً أن تاريخ وتوقيت بدء الهدنة «سيتم تحديدهما بعد الحصول على معلومات من ممثلي الأمم المتحدة عن توقيت جاهزية قوافل المساعدات وتأكيد ضمانات مرورها بأمان من الشركاء الأميركيين». وأضاف أن المسار الأول للقوافل يمكن أن يصل من مدينة غازي عنتاب التركية «عبر طريق الكاستيلو إلى أحياء حلب الشرقية»، بينما «المسار الثاني عبر طريق يمر قرب شرق حلب ويلف المدينة من الشمال الشرقي نحو بلدة حندرات وبعدها عبر طريق الكاستيلو إلى أحياء حلب الغربية». وكان دي ميستورا قد دعا خلال مؤتمر صحافي في مدينة جنيف إلى هدنة إنسانية لمدة 48 ساعة أسبوعياً في حلب، مضيفاً أنه «علّق اجتماعاً أسبوعياً لفريق العمل المعني بتقديم المساعدات الإنسانية إلى سوريا بعد مرور 8 دقائق على بدئه»، بسبب خيبة أمله حيال «فشل وصول شحنات المساعدات الإنسانية إلى المدن والبلدات المحاصرة، التي لم تتلقّ أيّ مساعدات منذ أسابيع».
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)