غزة | أربعة آلاف عريس وعروس زفوا في عرس جماعي ــ «مهرجان» ــ أُعلن قبل أيام فقط، وأُقيم في ملعب اليرموك وسط مدينة غزة، بالتزامن مع تقديم طلبة الثانوية العامة امتحاناتهم، في وقت من المعروف فيه أنّ حكومة «حماس» التنفيذية على الأرض، تمنع إقامة الحفلات والأعراس في الشوارع خلال الأسابيع الجارية. المهرجان، الذي كان خطابياً من جهة واستعراضياً من جهة أخرى، أقيم بالاستفادة من منحة تركية بقيمة ألفي دولار لكل عريس، إضافة إلى تكاليف الفرح الجماعي، ولكنه واجه انتقادات واسعة بسبب آلية اختيار المستفيدين.واللافت أنّ هذه المنحة مؤجلة الدفع حتى تسمح المصارف الفلسطينية في القطاع باستقبالها، ثم سيجري العمل على تسليم الأموال للمستفيدين من المشروع، أي إنه سبق العرس الدفع!

نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، قال خلال المهرجان أول من أمس، إنّ «العرس الجماعي هو إتمام لانتصار المقاومة في المعركة الأخيرة»، مشيراً إلى مسألة المصارف بالقول إنّ «مصارف (بنوك) فلسطينية رفضت إدخال أموال العرس الجماعي لغزة، ولكن الأموال ستصرف خلال أيام». وترجم هنية الحفل المقام سياسياً بالقول، إنّ «مواقف (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان عملاقة في دعمه للقضية الفلسطينية»، مضيفاً في سياق الإشارة إلى الدور التركي إلى أنّ «جمعية تركية تبرعت بعشرين برجاً سكنياً، أكثر من 300 شقة، ضمن جهود إعادة الإعمار».
عناصر «حماس»
حظوا بنسبة 50% من
المشروع

في التفاصيل، فإن عبارة «حماس لا تخرج عن نطاق الحزب الواحد» كانت أبرز الاتهامات التي وُجهت إلى القائمين على المشروع، خاصة أن السرية التامة أحاطته، وكانت «الغرف المغلقة» هي سيدة القرار في تحديد المستفيدين من «المنحة التركية». إذ لم يعلن المشروع في أي من وسائل الإعلام المحلية، أكانت مرئية أم مكتوبة أم حتى مسموعة. الأمر الذي أنتج أسئلة عن المعايير التي اختيرت على أساسها العينة المستفيدة من المشروع.
يتساءل شباب كثيرون: هل لأولئك الذين اختيروا خلفيات تنظيمية أم اقتصرت عملية الاختيار على رواد المساجد؟ وهل اختيرت العينة المستفيدة بناءً على أسس وضعها المانح؟ لكن، لم تنجح محاولات «الأخبار» للتواصل مع أي من المشرفين على تنظيم الحفل من أجل الوقوف على خلفية الاتهامات، إذ امتنع عن الرد كل من تواصلت معه الصحيفة، مكتفين ــ في غالبيتهم ــ بتوضيحات قالوا إنها ستنشر في بيانات صحافية لاحقاً.
مصادر مقربة من القائمين على المشروع أكدت لـ«الأخبار» أن عناصر «حماس حظوا بحصة الأسد: نسبة 50% من المشروع. ووُزِّعَت نسبة 30% بين فصائل العمل الوطني والإسلامي، بينما حظيت كل من وزارة الشؤون الاجتماعية وذوي الاحتياجات الخاصة بنسبة 20%». وبررت ذلك بالقول إنّ «من الطبيعي أن يكون لحماس الحصة الأكبر، فهي صاحبة المشروع، ومن غير المنطقي أن تكون متساوية مع الآخرين». أما بالنسبة إلى المعايير التي اتُّبعت لاختيار الفئة المستفيدة، فأقرت المصادر بوجود هامش من الخطأ «لكن لا يرقى إلى مستوى الانتقاد اللاذع الذي ساد في الشارع الفلسطيني».
وأضافت المصادر نفسها أنّ «الخطأ الذي وقعت فيه الحركة (تمثل في) عدم الإعلان العام وترك أمر الاختيار للمناطق... مناطق اتبعت مبادئ الديموقراطية العصرية، فيما واجهت مناطق أخرى إشكالات في الاختيار، واتُّبعت التزكية والواسطة والمحسوبية في الاختيار».
مشكلة أخرى برزت إثر رصد حالات زواج قائمة فعلاً، وقد استفاد الزوجان من العرس الجماعي، بينهم من لديه أطفال وآخرون زوجاتهم حوامل وينتظرون مولودهم الأول أو حتى الثاني. لكن المصادر شددت على أنّه لو توضع معايير واضحة من المانح، الذي ترك الأمر مفتوحاً نوعاً ما، وأعطى مساحة أثناء عملية الاختيار، فبات لا مانع من منح المتزوجين فرصة للاستفادة من المشروع إذا برهن المعنيّ زواجه بعد حرب «العصف المأكول» الأخيرة، وذلك نظراً إلى أن «ظروف الشباب المادية صعبة جداً».
القيادي في «حماس»، يوسف فرحات، وهو مدير عام في وزارة الأوقاف، شنّ هجوماً لاذعاً على القائمين على المشروع، إذ كتب على صفحته في «فايسبوك»: «والله عيب وألف عيب أن يتم تزويج (2000) في الغرف المغلقة وبعيداً عن المهنية، لا خير فينا إن لم نقلها حتى لو كنا حمساويين حتى النخاع، هكذا تعلمنا من إسلامنا العظيم والحقيقة عندي أعظم من حماس». ثم رد فرحات على منتقدي كلامه بالقول: «... سأذهب مع الذين قالوا إن نصفهم من حماس، فقط السؤال هل تم اختيار هؤلاء بطريقة مهنية كأن تُشكل لجنة وطنية ويعلن لكل الشباب عبر الصحف للتسجيل من خلال معايير مضبوطة، أم أن الذي حدث من وراء الكواليس وفي الغرف المغلفة ومن خلال لجان تنظيمية، وعلى هذا فإن أكثر الشباب في غزة لم يعلموا بذلك إلا يوم الحفل الجماعي».
وهذا العرس الجماعي ليس الأول منذ انتهاء الحرب الأخيرة، إذ سبق أن نُظم عرسان جماعيان، على الأقل، أحدهما بتمويل من زوجة القيادي محمد دحلان (جليلة) وفيه زوج أكثر من أربعمئة شاب وشابة بتمويل إماراتي، كذلك عقد عرس جماعي آخر بتمويل قطري وزوج فيه خمسون.