لم يكن حوار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع رؤساء تحرير الصحف القومية الثلاث ــ نُشر على مدار ثلاثة أيام ــ سوى جزء من محاولة للرد على الانتقادات التي طاولته في الأسابيع الأخيرة، خاصة مع تناقص شعبيته بصورة ملحوظة، رصدتها استطلاعات الرأي المختلفة. تلك الاستطلاعات، برغم أنها أبقته يحظى بدعم الأغلبية، لكن النسب تفاوتت بين 60% إلى 85%، وهي النسب الأدنى منذ وصوله إلى كرسي الرئاسة قبل عامين، متسلماً السلطة بانتخابات لم تكن متكافئة مع منافسه الوحيد في السباق، حمدين صباحي.السيسي، الذي أطاح الرئيس الإسلامي محمد مرسي من السلطة وحارب «جماعة الإخوان المسلمين» بقوة، أخفق في تحقيق العدالة الاجتماعية أو أي من هتافات «ثورة 25 يناير» (عيش ــ حرية ــ عدالة اجتماعية)؛ الأسعار تزايدت والإجراءات الاستثنائية صيغت في قانون التظاهر بديلاً من الطوارئ السيئ السمعة، الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود، فيما العدالة الاجتماعية لم تتحقق لمختلف الفئات، بل اتجه نظامه إلى التصالح مع لصوص أموال الشعب مقابل احتفاظهم بنسبة مما سرقوه... مقابل اكتفائه بمشروع لصرف معاش نقدي قدره أقل من مئة دولار شهرياً للأسر الأكثر احتياجاً.
لا يزال «الجنرال» يرفض الاعتراف بغضب الفقراء الذين منحوه أصواتهم في الانتخابات الرئاسية أملاً في تحقيق نهضة ووعود بتحسين ظروفهم المعيشية. وصحيح أنه نجح في معالجة جزئية للعشوائيات عبر تطويرها وتوفير مساكن آدمية لعدد كبير من سكانها، لكنه لم ينجح في المحافظة على مستوياتهم الاجتماعية بسبب الزيادات المضطربة في الأسعار التي وصلت لدى بعض الخدمات والسلع إلى 50%، وسط تأكيدات رسمية برفع الدعم كاملاً عن مختلف الشرائح خلال العامين المقبلين.
أما الحرية، فقوضها السيسي في الشارع بعدما أسكت العمال ومنع الوقفات الاحتجاجية والمطالبة الفئوية، ما ينبئ بكارثة لا يتوقع شكلها أحد، خاصة مع دعوات التمرد الإلكترونية التي انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتنادي برفض تسديد فواتير الكهرباء بعد الزيادات الجديدة التي أقرتها الحكومة ضمن خطة رفع الدعم من أجل الحصول على قرض الـ12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
والغريب أن السيسي يخسر رغم أنه لا وجود لبديل منافس قوي، خاصة بعدما نقل النائب السابق لرئيس الجمهورية محمد البرادعي، إقامته إلى فيينا، وبقي «حزب الكرامة» و«التيار الناصري» وممثله حمدين صباحي مكتفيين بالظهور الإعلامي دون أي نشاط على أرض الواقع يمكن أن يصل إلى الجماهير، وهي حال غالبية الأحزاب التي يخشى ممولوها الصدام مع الرئاسة. كذلك تفتقر المعارضة الأموال التي تمكنها من التواصل مع المواطنين خارج العاصمة، في ظل تضييق إعلامي على الأصوات المعارضة واتهامات التخوين التي تلاحقها عبر وسائل الإعلام المدعومة من الدولة.
هذا أول حوار للرئيس المصري مع وسائل إعلام محلية منذ توليه منصبه

يمكن مشاهدة هذا المشهد بوضوح في الطريقة التي تعاملت بها المنابر الإعلامية مع مبادرة عصام حجي (مستشار الرئيس السابق عدلي منصور للعلوم) من أجل تكوين فريق رئاسي يخوض انتخابات 2018. المبادرة، التي اتهم صاحبها بالتخوين، لم يتمكن حتى الآن من الترويج لها عبر المنابر المصرية، ولكن ظهوره جاء عبر شاشة تلفزيون «العربي» من لندن ليشرح فكرته التي تعرضت لانتقادات حادة، وصلت إلى حدّ اتهامه بالتخوين والعمالة والسعي إلى إسقاط الدولة. لكن ذلك لم يمنع من وصولها إلى 7% من المصريين وفق استطلاع للرأي أجراه مركز «بصيرة»، الذي يترأسه مسؤول حكومي سابق، وهي نسبة ــ مع أنها ضعيفة ــ تعبّر عن وصول الخطاب إلى فئة نسبية جيدة خلال أول ظهور له، ما يعني أن تكرار الظهور حتى موعد الانتخابات المقررة في أيار 2018 قد يكون له تأثير إيجابي في خلق منافس جديد للرئيس الذي لا يزال يرفض الاعتراف بأن محدودي الدخل تغيرت نظرتهم إليه.
الأمر نفسه تكرر مع المستشار هشام جنينة (الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، وهو أكبر جهة رقابية) بعدما صدر قرار رئاسي مفاجئ بإقالته بعد مقدمات طويلة. وفجّر الرجل في أحاديثه الإعلامية، بعد الإقالة وصدور حكم قضائي بحبسه باعتباره نشر معلومات غير صحيحة، قضايا عدة، تشير إلى اعتماد «الجنرال» على المقربين منه فحسب. وأعلن جنينة صراحة أنه طلب لقاء رئيس الجمهورية منفرداً أكثر من مرة، لكنه لم يتمكن من ذلك، وأن مسؤولين حاليين وسابقين يحققون منافع خاصة بهم، وهو ما رصدته التقارير الرقابية التي أشرف عليه خلال ترأسه الجهاز.
بالعودة إلى حوار السيسي مع رؤساء تحرير الصحف القومية، وهو أول حوار يجريه مع وسائل الإعلام المصرية منذ وصوله إلى السلطة، وقد امتد على مدار سبع ساعات، فإنه بدأ عبر استخدام لغة الاستعطاف مرة أخرى مع الجماهير، حينما قال إن قراره للاستمرار في الرئاسة لن يكون ذاتياً، بل بناءً على رغبة الجماهير التي انصاع لها واستقال من منصبه في وزارة الدفاع حتى يتمكن من الترشح للرئاسة! حديث أعاده إلى الواجهة مجدداً سؤالٌ عن ترشحه لولاية جديدة باعتبار أن الدستور يمنحه حق الترشح لمرة واحدة أخرى بعد ولايته الحالية، لكنه تناسى أن حكم الجماهير يكون بعد إعلان النتيجة وليس قبلها كما يرغب هو، فضلاً عن أنه غير مدرك أن ما حدث في الانتخابات التي أعقبت عزل «الإخوان» كانت مرحلة استثنائية لن تتكرر لأي مرشح آخر.
لا يبدو السيسي قادراً على رؤية نفسه متنافساً بجدية مع آخرين على الرئاسة في الانتخابات المقبلة؛ الجنرال الذي يقول إن لقاءاته مع الفقراء تؤكد حبهم لبلدهم وتحمّلهم ما يقوم به من إجراءات صعبة تأتي بعيدة تماماً عن الواقع، في ظل استمرار فكرة العزل المفروض عليه من المحيطين به، وهم يضعون الدواعي الأمنية سبباً لمنع أي احتكاك مباشر بين الرئيس والشارع، فضلاً عن الدور الجديد الذي يقدمه في المنطقة انطلاقاً من البوابة السعودية ــ الإسرائيلية.