إعلان مبادرة «الفريق الرئاسي 2018»، التي كشف عنها النائب السابق لرئيس الجمهورية للشؤون العلمية عصام حجي قبل أسابيع، ليست بعيدة عن النائب السابق لرئيس الجمهورية، محمد البرادعي، الذي قاد تحركات «الجمعية الوطنية للتغيير»، قبل «ثورة 25 يناير»، خلال حكم حسني مبارك، وذلك بعد تقاعده من «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» عام 2009.البرادعي الذي تولى منصب نائب الرئيس لأقل من 45 يوماً بعد عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي، ترك الحياة السياسية بعد رفضه «استخدام العنف ضد الإسلاميين المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة»، اعتراضاً على عزل مرسي. وفضّل البرادعي، كما قال آنذاك، استخدام «لغة الحوار مع الإخوان والتيار الإسلامي»، وهي المبادرات التي لم تنجح وانتهت بتدخل أمني عنيف أودى بالمئات من الأطراف كلهم، إضافة إلى اقتحام أقسام شرطة وحرق كنائس للأقباط في الصعيد.
حتى الآن، لم تتفاعل المبادرة على أرض الواقع، وهي مقتصرة على تصريحات إعلامية وظهور محدود للغاية لبعض الشخصيات في وسائل الإعلام، مع غياب التواصل مع الأحزاب ونواب البرلمان رغم الزخم الذي صاحب الكشف عن المبادرة التي تهدف إلى «اختيار فريق قادر على إدارة الدولة المصرية يخوض الانتخابات الرئاسية في 2018» في مواجهة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي سيخوض السباق للفوز بولاية ثانية مدعوماً بمساندة أحزاب كبيرة.
من الوجوه المعروفة على الأقل، مديرة المبادرة، هالة البناي، وهي نفسها مديرة «مؤسسة البرادعي للأعمال الخيرية»، ما يوضح الصلة الوثيقة بالبرادعي المقيم في العاصمة النمساوية فيينا، منذ استقالته من الرئاسة المصرية. وقد تجنب منذ ذلك الوقت أن يدلي بآراء سياسية سوى على مدد متباعدة، عبر تدوينات قصيرة على حسابه على «تويتر».
إعلان دور مباشر للرجل في المبادرة سيزيد نسبة ضعفها

والبناي شغلت مع تأسيس حزب «الدستور»، المدعوم من البرادعي، منصب مسؤولة الاتصال الخارجي، وهو ما يعني قدرتها على إدارة العمل خارجياً لجذب أصوات المصريين في الخارج الذين يمثلون نحو 6% ممن يحق لهم التصويت، وهي نسبة قد يكون لها تأثير في حال احتدام المنافسة بين المرشحين على منصب الرئيس. كذلك فإن خبرتها السابقة قد تمكّنها من التغلب على مشكلات التواصل الجماهيري التي تواجه الأحزاب في الوصول إلى المواطنين عادة.
والمشكلة التي تواجه البرادعي أنه لا يحظى في الشارع المصري بقبول كبير، في ظل استمرار وصف الإعلام المؤيد للسيسي له بالهارب، مع أنه كان معارضاً لمبارك، فيما واجه انتقادات عدة بسبب كثرة سفره إلى الخارج خلال جمع توقيعات شعبية للمطالبة بتعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، إلى درجة جعلت السياسيين المصريين ينفرون منه. وحالياً، تبدو المبادرة أقرب إلى مواجهة المصير نفسه بسبب عيش القائمين عليها في الخارج، خاصة عصام حجي المقيم غالبية العام في الولايات المتحدة بسبب طبيعة عمله في وكالة «ناسا».
من جهة أخرى، سيكون طرح اسم البرادعي إعلامياً مرادفاً للهجوم على المبادرة، وربما خسارة الكثير من الجدل الذي أثارته في الشارع، خاصة أن عدداً ليس قليلاً من مؤيدي البرادعي انقلبوا عليه بسبب مواقفه، كالانضمام إلى السلطة في أعقاب عزل مرسي أو الاستقالة المفاجئة والإقامة خارج مصر، فضلاً عن اتهامات بالتخوين ستلاحق المبادرة في حال طرح اسم البرادعي ضمنها، حتى لو كان ذلك بوجود شرفي.
أيضاً، إلى الآن، لم يقدم مسؤولو المبادرة أي رؤية للاختلاط بالجماهير أو الحضور في الشارع، وهو تحرك يعيد أخطاء الماضي التي تكاد تتشابه؛ في تجربة البرادعي السابقة كان التحرك المنظم الوحيد يجري على يد «جماعة الإخوان المسلمين» حصراً، خاصة أنها استغلت أنشطتها المركزية وفروعها المختلفة في التواصل مع المواطنين والحصول على توقيعاتهم على بيان التغيير، وهو خيار لا يتوافر الآن في الشارع. كذلك فإن شعبية البرادعي بين أنصار «الإخوان» والمتعاطفين معهم ضعيفة للغاية، وهذه حالها بين قطاعات عريضة في المجتمع المصري تأثرت بحملة النظام ضده.
لكن، ربما تكون الفائدة الوحيدة من وجود البرادعي في المبادرة الجديدة هي حماية أعضائها من التنكيل الأمني؛ الرجل الحاصل على قلادة النيل، وهي أرفع وسام مصري، يمتلك قدرة الحديث في أي لحظة على وسائل الإعلام العالمية التي تثق بتصريحاته. وقد كان لحديثه عن الحقوق والحريات والاضطهاد الأمني الذي تعرض له أنصاره أثر سلبي على صورة مصر الحقوقية إبّان نظام مبارك، كما شكل انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية عام 2012 ورقة ضغط على المجلس العسكري الحاكم، حينما اتهم البرادعي، الأخير، بتفصيل قانون الانتخابات.
المؤكد في كل الأحوال أن البرادعي لديه «وجهة نظر سياسية صائبة» في قضايا عدة، بداية من الحديث المبكر عن سقوط نظام مبارك بثورة شعبية يخرج فيها مليون مصري، مروراً بالانتقادات التي وجهها إلى خريطة الطريق الأولى التي وضعت الانتخابات قبل الدستور، وانتهاءً بزيادة العنف ونتائج استخدام الأسلوب الأمني للتخلص من اعتصامات الإسلاميين من دون تغيير الأفكار والاقتناعات، وهو ما حدث كله بالفعل.