تدور حرب عالمية منذ سنوات على أرض الشرق الأوسط، تشارك فيها دول لها أهدافها الخاصة، فيما تطمع إسرائيل بحصة الأسد من هذه الحرب.المخطط بهيكله العام وأهدافه المحددة وضعته لجنة كانت إسرائيل وراءها، ويرأسها ريتشارد بيرل، عضو لجنة التخطيط الاستراتيجي في البنتاغون والذي يحمل جنسية مزدوجة أميركية ــ إسرائيلية وقد شغل منصب رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في القدس. قدم نتنياهو ذلك المخطط لإدارة الرئيس بيل كلينتون كي تتبناه وتنفذه، لكن كلينتون أحجم عن ذلك خشية أن تحترق يداه، فأبقاه على مكتبه ليتبناه الرئيس بوش من بعده.
ما تريده إسرائيل من هذا المخطط الدامي هو فلسطين، كل فلسطين، وتدمير القضية الفلسطينية، والتهجير القسري للفلسطينيين إلى الدول المجاورة أو إلى بلدان العالم. كي تضمن ذلك، رأت إسرائيل في خطتها أن من الضروري تحطيم كل نظام عربي لا يزال يدعم قضية فلسطين، ويرفض الوجود الصهيوني على أرض فلسطين. وفي هذا الإطار، هدد بيرل (وضع الخطة بطلب من نتنياهو الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك) بأنه لا بد من ضرب تلك الدول بحيث تمزق نفسها بنفسها ــ طائفياً وعرقياً ــ وتدمر قواها حتى تصبح غير قادرة على الدفاع عن نفسها. واستخلص من ذلك أنّ مثل هذا التفتيت سوف يفقد الفلسطينيين أيّ بعد أو صلة قومية لأن الأوضاع ستكون طائفية ــ طائفية وعرقية ــ عرقية، إضافة الى تحويل عدد من الأنظمة العربية الدائرة في فلك الولايات المتحدة إلى أتباع السياسة الأميركية بشكل كامل، وهي التي تحض على الاعتراف والتطبيع مع إسرائيل. ورأى المخطط أن ذلك الأمر سيتيح لإسرائيل أن تتحول إلى القوة الإقليمية الأكبر والأقوى دون منازع، وأنها ستكون ملجأً ومرجعاً لدول تخشى إيران و"التمدد الفارسي"، وتطمح إسرائيل في حال نجاح المخطط بأن تحوّل إيران إلى عدو للدول الخليجية ولدول عربية أخرى كالعراق وسوريا، وأن تصبح إسرائيل حليفاً لتلك الأنظمة، تدافع عنها في وجه إيران، وتمدها بالصواريخ، وتتعاون معها في البحر الأحمر والخليج العربي، فيما تسمح لإسرائيل باستخدام مطاراتها لتوجيه الضربات لإيران.
ولا شك أنّ في الحرب لاعبين صغاراً آخرين لأن اللاعب الأكبر هو الولايات المتحدة الأميركية التي راحت (منذ عهد بوش) تستبدل تكتيكاتها واحداً تلو الآخر في كل مرحلة تشعر فيها بإخفاق التكتيك السابق. فعمدت الولايات المتحدة أثناء احتلالها للعراق الى إقامة منطقة كاملة تحت سيطرة قوى إسلامية تكفيرية هي في حقيقة الأمر قوى مرتزقة من بلدان مختلفة وعدت بإقامة دولة إسلامية في العراق وسوريا بدعم من تركيا والسعودية وبدعم كامل من الولايات المتحدة لمواجهة إيران، وبالموافقة على إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل. النتيجة بالنسبة إلى المخطط هي تدمير الرابط القومي العربي الذي كان يشدّ أبناء الأمة العربية بعضهم لبعض في مواجهة إسرائيل والقوى الاستعمارية.
وتطمع إسرائيل واللاعبون الصغار بحصص أخرى، هي حصص من ثروات العرب التي يسيطر عليها من وظفهم الاستعماريون حكاماً. وبعض تلك القوى تحلم بتعديلات حدودية طال أمد الحلم بها: تركيا تطمح وتطمع، بعدما سلخت الاسكندرون عنوة، بأن تسلخ من سوريا كل المناطق الممتدة بين الحدود التركية ونهر الفرات (إذ تعتبر أن تلك المناطق تركية). أما إسرائيل، فإنها تطمح بأن يقام نوع من الجيب الآمن في جنوب سوريا، وتحديداً في المنطقة الممتدة من درعا إلى السويداء، مروراً بالقنيطرة، بحيث تُبعد الجيش السوري (إن بقي هنالك جيش) عن الحدود الجديدة. وبذهن إسرائيل ضم الجولان واعتبارها أرضاً إسرائيلية إلى الأبد.
تلك هي أهداف الولايات المتحدة، فهي واضحة كل الوضوح. هي تريد الهيمنة على الثروة العربية، وإذا علمنا أن احتياطي النفط في العراق يوازي احتياطي النفط في كل من إيران والسعودية وفنزويلا، يصبح من السهل علينا إدراك التآمر الأميركي للهيمنة على العراق وسوريا، وخاصة منطقة الحسكة الغنية بالنفط والغاز.
وتحرص الولايات المتحدة على تدمير كل الرافضين للتطبيع مع إسرائيل، وشطب القضية الفلسطينية (لو اعترفت إيران بإسرائيل وشطبت قضية فلسطين من جدول أعمالها، لكان الأميركيون والأوروبيون قد سمحوا لها بإنتاج قنبلة نووية، وما كانوا ليحشدوا القوى ضدها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرئيس بشار الأسد الذي ما كان ليؤخذ من قبل الغرب كعدو لولا موقفه الرافض لابتلاع إسرائيل للأرض الفلسطينية ودعمه لحقوق الشعب الفلسطيني).
في العراق، دمرت أميركا الجيش الذي كان أقوى جيش في المنطقة العربية، والآن يعاني العراقيون من النقص الشديد، نتيجة ذلك، في الضباط المدربين والقادرين على خوض المعارك. وهي سعت، وتسعى، لتدمير الجيش العربي السوري حتى تصبح سوريا بلا جيش يدافع عنها، وكانت زلة لسان من باراك أوباما عندما قال: إنني أتعجب كيف بقي الجيش السوري غير مفتت، موحد وقادر على القتال. فقد كان مخططه تدمير هذا الجيش عبر مال السعودية، وشرذمته إلى فصائل صغيرة تمدها السعودية وتركيا بالمال والسلاح.
المخطط الإسرائيلي إذاً هو نشوب حرب عالمية كما يجري الآن في منطقة الشرق الأوسط، يقوم بها اللاعبون الصغار نيابة عن الكبار. وبما أن إسرائيل تعتبر نفسها قوة كبيرة وليست ضمن الصغار، فمن أراد أن يواجه هذا المخطط للقضاء عليه، عليه أن يواجه في عقر دار هذا المخطط. فإسرائيل التي توحي بأنها تمتلك أقوى جيش في المنطقة، تعاني حتى الآن من نتائج هزيمتها على يد أبطال حزب الله في 2006، وتعاني من هزيمتها أمام حجارة أطفال فلسطين، وتعاني من هزيمتها عندما يرتعد الجندي الإسرائيلي من جريح يقع على الأرض فيطلق عليه الرصاص. إنّ ذلك الهيكل المدجج بالصواريخ والذي يصطف على الحدود الراهنة لدولة إسرائيل هو هيكل هش يختفي خلفه فقدان الإسرائيلي الثقة بالنفس وفقدانه الشعور بالانتماء وشعوره بأن وجوده على أرض فلسطين مؤقت.
لذلك، تحاول حكومة إسرائيل أن تُبعد الإسرائيليين عما يدور في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكأن عمليات الإعدام الميداني التي ترتكبها كل يوم تتم في بلاد "الواق واق"، وليس على بعد دقائق من تل أبيب. هذا الداخل الإسرائيلي هلامي كزلال البيض، وعلى الدبابيس الصغيرة أن تفقئ هذا الهلام، إذ عندما ينتفخ الضفدع يظن نفسه كبيراً وينسى أن انتفاخه غير الطبيعي يجعل من السهل على دبوس صغير أن ينفّسه.
* كاتب سياسي فلسطيني