لا يخرج التعثر في «الاتفاق» الروسي ــ الأميركي حول الملف السوري عن سلسلة الخلافات بين الطرفين، التي ولدت بالتوازي مع أول هدنة «مشتركة» أُعلن عنها في شباط الماضي بهدف السماح ببدء جولة جديدة من المفاوضات السياسية في جنيف. ورغم أن الخلاف حول فصل «المعتدلين» عن «الإرهابيين» حضر قبل بدء هدنة شباط، وتم التغاضي عنه على حساب إنجاح «التعاون»، فإنه بقي عالقاً حتى المشاورات الحالية.إلا أن المستجد في موضوع الخلافات ظهر أمس في الرفض الروسي لمقترح أميركي بـ«نزع سلاح» الأطراف المتحاربة ضمن مدينة حلب، في وقت كانت فيه الطائرات الروسية تمهّد الطريق أمام قوات الجيش السوري وحلفائه للتقدّم لإعادة فرض الطوق على حلب. وقد اكتفت موسكو في المقابل باقتراح تأمين المساعدات الإنسانية إلى أحياء حلب الشرقية عبر طريق الكاستيلو.
قالت واشنطن
إن تراجع موسكو أدى إلى عدم إعلان
الاتفاق

وجاء المقترح الأميركي إلى جانب دفعة أخرى كشفتها رسالة مبعوث واشنطن إلى سوريا، مايكل راتيني، والموجهة، وفق «رويترز»، إلى المعارضة السورية المسلحة، وتحمل تاريخ الأول من أمس. ووفق الرسالة، فإن الاتفاق يتضمن «وقفاً لإطلاق النار في أنحاء البلاد، مع التركيز على المساعدات الإنسانية إلى حلب»، فيما تلتزم «روسيا بمنع الطائرات الحكومية السورية من قصف المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة الرئيسية (المدعومة من واشنطن)»، وهو ما رفضه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، باعتباره خارج أهداف التشاور. وأضافت الرسالة أن «الولايات المتحدة ستنسق في المقابل مع روسيا ضد تنظيم القاعدة (جبهة فتح الشام، النصرة سابقاً)»، فيما سيتطلب الاتفاق أيضاً تجنب الحكومة السورية وروسيا قصف المناطق التي تنشط فيها «جماعات معارضة معتدلة بالقرب من جبهة فتح الشام».
هذا الاتفاق المزعوم بدا وكأن سيرغي لافروف وجون كيري كانا على وشك إعلانه حين اجتمعا على هامش قمة العشرين في الصين أمس. وقد وضعت منصتان في قاعة لمؤتمر صحافي مشترك، قبل أن يخرج الوزير الأميركي منفرداً ليقول إن هناك بعض الأمور التي ما زال يتعين حلها، وإن الطرفين سيستأنفان المحادثات اليوم. وقال كيري إنه لا يريد الإسراع بالدخول في أي اتفاق حتى لا يراه يفشل مرة أخرى، فيما نقلت «رويترز» عن مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأميركية قوله إنّ روسيا «تراجعت» عن بعض المسائل التي اتفق عليها الجانبان بالفعل، لذلك يتعين على الطرفين استكمال المحادثات اليوم. ولم يتضح ما إذا كان الاعلان الأميركي عن تراجع روسي هو محض افتراء على موسكو، أو أن روسيا وافقت على مقترحات أميركية ثم عادت وتراجعت عنها بعدما رفضتها الحكومة السورية وحليفتها طهران. ومن الواضح أن الخلاف الروسي ــ الأميركي لا يزال متمحوراً، في شقه الميداني، حول نقطة أساسية، وهي فصل المسلحين "المعتدلين" عن "الإرهابيين"، وما يترتب عليها.
بدوره، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن بلاده وروسيا تعملان على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا، مشيراً إلى أن الجانبين اتفقا على اللقاء مرة أخرى اليوم. وقال خلال مؤتمر صحافي على هامش قمة مجموعة العشرين: «لدينا خلافات كبيرة مع الروس في ما يتعلق بالطرفين اللذين ندعمهما، وأيضاً بشأن العملية اللازمة لإحلال السلام في سوريا»، لافتاً إلى أنه «في حال لم نحصل على موافقة الروس على خفض العنف وتخفيف الأزمة الإنسانية، فسيكون من الصعب توقع كيف يمكننا الدخول إلى المرحلة التالية».
وكتأكيد على احتمال حدوث خرق في المفاوضات اليوم، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن بلاده والولايات المتحدة تقتربان من التوصل إلى اتفاق، من دون أن يوضح موعد الإعلان عنه. وأشار إلى أن «فن الديبلوماسية يتطلب وقتاً للتنفيذ». وأعرب عن اعتقاده بأنه «ما من سبب يدعونا إلى أن نتوقع انهيار المحادثات... نتحدث عن أهم الأمور المتعلقة بتطبيق وقف لإطلاق النار، والمحادثات المكثفة مستمرة». وأشار إلى أنه «لا يمكن الإعلان عن تحقيق نتائج... حتى نضع اللبنة الأخيرة من تفاصيل الاتفاق».
(الأخبار)