لم تنجح المشاورات المطوّلة التي سبقت التوصل إلى اتفاق روسي ــ أميركي حول «الهدنة» في سوريا في بناء ثقة مشتركة بين الجانبين، ولا في تخطّي عقبات اتفاق «هدنة شباط» الماضي. ففيما واجه الأخير تحدّي فصل المجموعات «المعتدلة» المحسوبة على واشنطن وحلفائها الإقليميين عن «جبهة النصرة» المصنّفة إرهابية، يظهر أن الاتفاق الحالي سيعاني كسابقه، بعد التفاف الفصائل المسلّحة الوازنة، وأهمها «أحرار الشام»، تباعاً حول «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً)، ورفضها الالتزام بالاتفاق الأميركي ــ الروسي. ومن المتوقع أن يضع قرار الفصائل واشنطن في موقع حرج تجاه شريكتها موسكو، بعد تعهدها باستهداف الفصائل التي ترفض الانفصال عن «النصرة» عقب إتمام مرحلة مراقبة «الهدنة»، التي من المفترض أن تمتد على خمسة أيام، عقب انتهاء المرحلة الأولى، مساء اليوم. وفي وقت شكّكت فيه موسكو في نيّات الأطراف الأخرى «حماية النصرة» عبر تحييدها عن قائمة الإرهاب، في إشارة إلى واشنطن، تجد الأخيرة نفسها أمام اختبار يجعلها أمام احتمال فرض «الاتفاق» بالقوة، وهذا ما سيظهر في الضربات المشتركة المنتظرة ضد «فتح الشام»، أو ستنتظر الخروقات المتفرقة وتأجيج الجبهات لتعلن إجهاض مرحلة العمليات المشتركة مع الجانب الروسي.
دمشق: نرفض إدخال مساعدات «تركية» من دون التنسيق معنا
وبينما يسود الهدوء الحذر غالبية جبهات الميدان، يبدو أن موسكو تحاول استباق أي «نيّات» أميركية للمناورة حول محتوى الاتفاق، إذ أعلن وزير الخارجية سيرغي لافروف أنه اقترح على الجانب الأميركي نشر الوثائق الخمس التي تم التوصل إليها، وطرحها للتبنّي عبر قرار من مجلس الأمن الدولي من «دون إجراء أيّ تعديلات على محتواها». وأوضح، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن، أن المقترح الروسي يأتي نتيجة الخشية من «تحريفه» بغية «حماية تنظيم جبهة النصرة» من الغارات الروسية ــ الأميركية المشتركة. ولفت إلى أن موسكو تخشى من توجه بعض الجهات إلى شطب تنظيم «فتح الشام» (النصرة سابقاً) من قائمة الإرهاب الدولي، مضيفاً أن نظيره الأميركي جون كيري نفى بشكل «قاطع» أن تكون بلاده تخطط لحماية «النصرة» والحيلولة دون استهدافها.
وبالتوازي، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، سيبحث اليوم مع نظيره الإيراني حسين جابر أنصاري اتفاق «الهدنة» بين موسكو وواشنطن، مؤكدة عدم وجود خلاف مع طهران في هذا الشأن. ورأى مدير قسم آسيا الثاني في الوزارة زامير كابولوف، في حديث إلى وكالة «نوفوستي» الروسية، أن «الإيرانيين، استناداً إلى نتائج تجاربهم السابقة في التعاون مع الولايات المتحدة، يبدون شكوكاً حول نية الطرف الأميركي تنفيذ هذا الاتفاق». وفي سياق متصل، حذّر وزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، من استغلال «داعمي التنظيمات الإرهابية» لفترة «الهدنة» لـ«إعادة هيكلتها وتزويدها بالمعدات العسكرية».
ومن جهة أخرى، رأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، أن وقف إطلاق النار «صامدٌ» الى حدّ كبير، معرباً عن أمله في أن يتحول إلى اتفاق «دائم». وأوضح في تصريحات متلفزة أنه «في حال سار كل شيء على ما يرام خلال الساعات الـ48 المقبلة، فهناك فرصة لاستمرار الهدنة». وفي السياق، نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن «مصدر مسؤول» في وزارة الخارجية أن بلاده «تتابع باهتمام بدء سريان الهدنة المؤقتة في سوريا»، مؤكداً «ترحيبها» بالاتفاق.
وفي وقت سارعت فيه أنقرة إلى إعداد قافلة مساعدات للتوجه نحو مدينة حلب السورية، ونقلت صحيفة «حرييت» التركية أن قافلة من 20 شاحنة عبرت معبر باب الهوى الحدودي، باتجاه الداخل السوري، من دون تبيان وجهتها النهائية، أكد «مصدر مسؤول» في وزارة الخارجية السورية رفض بلاده لإدخال أي مساعدات إنسانية إلى مدينة حلب من دون التنسيق مع الحكومة السورية والأمم المتحدة «لا سيما من النظام التركي».
وقال المصدر، في بيان نقلته وكالة «سانا» الرسمية، إن «قيام سلاح الجو التركي بأي عمليات حربية فوق الأراضي السورية بذريعة ضرب «داعش» دون التنسيق مع الحكومة السورية وقيادة العمليات الروسية إنما هو عدوان على سوريا»، مضيفاً أنه سيتم «التصدي لهذا العدوان والرد عليه بالوسائل المناسبة».
وعلى صعيد متصل، أكد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا تحسّن الأوضاع، عقب إعلان «الهدنة»، معرباً عن أمله في استمرارها لـ«5 أيام أخرى». وأشار إلى أن الأمم المتحدة جهزت قوافل المساعدات، وهي تنتظر «إصدار الحكومة السورية تصاريح» لإدخالها إلى الأراضي السورية، لافتاً إلى أن الأولوية هي إيصالها إلى مدينة حلب. وفي السياق، أعلن متحدث باسم الأمم المتحدة أن المنظمة الدولية لم تطلق بعد أي عمليات إنسانية في سوريا، منذ دخول الهدنة حيّز التنفيذ، مضيفاً أنها تطلب «ضمانات أمنية» لقوافلها. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية لدى الأمم المتحدة إن «عمليات التوزيع المرتقبة الأولى ستقدم مساعدة إنسانية إلى شرق حلب»، موضحاً أنها سترسل عبر تركيا.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، تاس)