مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق «الهدنة» الصامد رغم استنكار غالبية الفصائل المسلحة له، يبدو الانتقال إلى الخطوة المقبلة معقّداً أكثر من إقرار الاتفاق نفسه. وبينما أعلن الطرفان الأميركي والروسي بعد مباحثات في الأردن، تمديد «الهدنة» لـ48 ساعة إضافية، تطفو تفاصيل وآليات تنفيذ بنود الاتفاق، لتكشف عن حجم التعقيدات التي سترافق كل خطوة مقبلة سيتم تنفيذها على الأرض، بخلاف ما تبدو بسيطة على الورق. ويبدو واضحاً في هذا السياق ما أبدته موسكو من تخوّف في حال انسحاب الجيش السوري من طريق الكاستيلو، عقب رصدها لاستهداف الطريق بقذائف الهاون، ما يهدد سلامة القوافل ويترك الاحتمال مفتوحاً لعودة المنطقة إلى الاشتباكات، في حال تكرر الموقف. ورغم حجم العمل الكبير الذي يتطلبه إنجاح بنود الاتفاق ومراحله، تنحو الأطراف المعنية نحو التركيز على عملياتها ضد تنظيم «داعش»، الذي لا تزال مكافحته مدخلاً لتبرير التدخل العسكري الواسع للعديد من الأطراف، من دون خلافات جوهرية بينها، سوى حول آليات تلك المكافحة.كذلك، يظهر بالتوازي إصرار دمشق على ضرورة تنسيق دخول المساعدات معها ومع الأمم المتحدة، خاصة الآتية من تركيا، وهو ما يؤخّر تحرك قافلة المساعدات نحو حلب، رغم إعلان الأمم المتحدة جاهزيتها ودخول عدد من الشاحنات الأراضي السورية عبر معبر باب الهوى. ويضاف إلى ما سبق، عدم التزام رعاة الاتفاق بتنفيذ التعهدات الموازية لسير وقف إطلاق النار، وخاصة في ما يتعلق بفصل المعارضة «المعتدلة» عن «جبهة فتح الشام» («النصرة» سابقاً) والمجموعات المتحالفة معها. وفي هذا السياق، جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي جون كيري، مطالبته لواشنطن بـ«تنفيذ وعودها» في هذا الشأن. وأوضح بيان لوزارة الخارجية الروسية أن الطرفين بحثا خلال الاتصال «سير تنفيذ الاتفاقات بشأن تثبيت الهدنة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية والتعاون في محاربة الإرهابيين من تنظيمي داعش وجبهة النصرة».
وفي سياق متصل، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، مارك تونر، أن بلاده اتفقت مع روسيا على تمديد اتفاق «الهدنة» لمدة 48 ساعة إضافية، مضيفاً أنه «بالرغم من ورود تقارير عن أعمال عنف متفرقة، غير أن الاتفاق بكل مضامينه لازال متماسكاً».
وكان نائب مدير إدارة العمليات الرئيسية في رئاسة أركان القوات الروسية، الجنرال فيكتور بوزنيخير، قد أعلن، في وقت سابق، أن بلاده تؤيّد تمديد العمل باتفاق «الهدنة» على جميع الأراضي السورية لمدة 48 ساعة إضافية. وأكد خلال مؤتمر صحافي، أمس، أن «وقف إطلاق النار غير مطبّق بشكل تام»، مشيراً إلى أن «الفصائل المقاتلة خرقت الهدنة 60 مرة في الساعات الـ48 الماضية». وبدوره، أشار المسؤول عن المركز الروسي للتنسيق في سوريا، الجنرال فلاديمير سافتشينكو، إلى أن «الجيش السوري مستعد لتنفيذ انسحاب مرحلي متزامن مع انسحاب قوات المعارضة من طريق الكاستيلو، في التاسعة من صباح غد (اليوم)» بتوقيت دمشق، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن «استهداف الطريق بقذائف هاون» من شأنه أن «يطرح تهديداً» في حال انسحاب القوات السورية من هذا المحور.
الكرملن: لا يمكن إحراز تقدم من دون فصل المعتدلين عن الإرهابيين

وحول دخول المساعدات الإنسانية إلى مدينة حلب، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أمس، أنه يجري محادثات مع موسكو وواشنطن، للضغط على جميع الأطراف في سوريا وضمان أمن قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة «من عشرين شاحنة محمّلة بالأغذية وغيرها من السلع الضرورية، لا تزال على الحدود التركية مع سوريا بانتظار السماح لها بالتوجه إلى حلب». وعلى صعيد آخر، رأى الكرملن أن «الهدنة» تبعث الأمل في توفير الظروف الملائمة للحوار السياسي «على الرغم من هشاشتها». وقال الناطق الصحافي باسم الرئيس الروسي، ديميتري بيسكوف، في تصريح صحافي، أن «الفصل بين المعارضة المعتدلة والتنظيمات الإرهابية» هو «مهمة رئيسية، من المستبعد إحراز أي تقدم إلى الأمام من دون نجاحها».
من جهته، لفت وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى أن «الهدنة» هي «آخر فرصة للحفاظ على سوريا موحدة»، مضيفاً أن فشلها سيقود إلى «زيادة حدة الاقتتال بشكل كبير». وشدد على أن واشنطن لم تتراجع «عن معاييرها»، ولكن يجب عليها «الإيفاء بالتزاماتها وفق الصفقة»، معتبراً أن خسارة مقاتلي «المعارضة المعتدلة» أمام القوات الحكومية المدعومة من روسيا «ستدفعهم إلى أحضان النصرة وداعش، وستعزز النزاعات المتطرفة في صفوفهم».
وعلى المستوى الميداني، شهد اليوم الثاني من «الهدنة الهشّة» هدوءاً نسبياً على معظم الجبهات، باستثناء تلك المواجهة لتنظيم «داعش». ففي المنطقة الشرقية، استعاد الجيش السوري سيطرته على تل الصنوف، غربي مدينة الزور، إثر مواجهات مع مسلحي التنظيم. كذلك تصدّى لهجوم شنّه «داعش» على محور حويجة صكر، عند أطراف المدينة، وعلى محوري المريعية في ريفها الجنوبي، والجفرة في ريفها الجنوبي الشرقي.
وبالتوازي، أعلنت القيادة العسكرية الأميركية الوسطى أن طائراتها نفذت 3 غارات جوية الأسبوع الماضي ضد أهدافٍ لـ«داعش»، قد تكون أدّت إلى سقوط ضحايا مدنيين، في محيط مدينة دير الزور، ومحيط الشدادي جنوبي الحسكة، أما الغارة الثالثة فوقعت في محيط مدينة الرقة. كذلك، اشتبك مسلحو «الجيش الحر» مع «داعش» في ريف حلب الشمالي، إثر محاولة الأخير التقدّم على جبهة البحوث العلمية، شرق مدينة أعزاز. وبدورها، أعلنت رئاسة الأركان التركية، في بيان، أنها قتلت 6 من عناصر «داعش»، إثر غارات جوية نفّذتها في إطار عملية «درع الفرات» في ريف حلب الشمالي.
في غضون ذلك، أعلن نائب قائد العلميات في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، الفريق فيكتور بوزنيخير، أن «الطائرات الحربية قصفت مجموعة من مقاتلي تنظيم داعش، كانوا يستعدون لشنّ هجوم على مدينة تدمر». وأضاف أن «القوات المسلحة قتلت 250 مسلحاً، ودمرت نحو 15 سيارة نقل صغيرة محمّلة بالمدافع الرشاشة والمدافع المضادة للطائرات».
أما في المنطقة الجنوبية، فقد ساد هدوءٌ نسبي معظم جبهات محافظة القنيطرة، التي شهدت خلال اليومين الماضيين اشتباكات عنيفة بين الجيش والمجموعات المسلحة، إثر محاولة الأخيرة التقدم على محور «السرية الرابعة» المجاورة لمزارع الأمل، وعلى طريق حَضَر. وأصدرت غرفة عمليات «معركة قادسية الجنوب» بياناً موجّهاً لأهالي بلدة حضر، أكّدت فيه «حرص الفصائل المنضوية تحت رايتها على سلامتهم، وسعيها لتجنيبهم أيّ آثار جانبية للعمل العسكري»، شرط عدم وقوف أهالي البلدة مع الجيش السوري.
(الأخبار)