هذه المرة انتهت الخلافات بين المهربين المصريين والمهاجرين غير الشرعيين السودانيين في انقلاب مركب هجرة كان متوجها إلى أوروبا بعدما انطلق من مدينة رشيد المصرية. المركب الذي لا يتسع سوى لمئة وخمسين شخصا حُمّل أكثر من طاقته بأضعاف، وخاصة أن الإحصاءات الأولية تشير إلى إنقاذ 160 شخصا فقط من أصل خمسمئة في ظل غياب بيانات رسمية عن التفاصيل الدقيقة للأعداد ولأسماء من كانوا على المركب المنكوب.اسم المركب المصري هو «جاه الرسول»، وقد أوقف قبل خمسة أعوام في تونس لعدة أشهر بسبب دخوله المياه الإقليمية للأخيرة، خلال عملية صيد في أعالي البحار. واستعيد «جاه الرسول» وفق اتفاق بين الحكومة المصرية ونظيرتها التونسية، لكن تراجع العائد من صيد الأسماك دفع صاحبه إلى استخدامه في عمليات التهريب التي تكثر في دلتا مصر، مقابل مبالغ مالية تراوح بين ألفين وأربعة آلاف دولار، يدفع نصفها قبل السفر والنصف الآخر بعد الوصول. ووفق المعلومات، يكون الضامن للمهاجر قد وقّع شيكات بالنسبة إلى المصريين، فيما على السودانيين والسوريين الدفع قبل السفر.
أمام المستشفيات التي تصلها جثامين الضحايا يقف الآن المئات من الأهالي، بعضهم يبحثون عن أسماء ذويهم في كشوف المتوفين الذين جرى التعرف على هوياتهم والبعض الآخر ينتظر أملا في وصول ناجين بقوا في البحر لساعات طويلة. وبدأت المستشفيات إجراء تحاليل الحمض النووي لأقارب الضحايا من الدرجة الأولى في محاولة للتعرف على هويات الجثث، التي وصلت مشوهة نتيجة بقائها في المياه لساعات طويلة بعد الغرق.
أصرّ المهربون على وضع 500 شخص في مركب لا يتحمل سوى 150

من بين هؤلاء قصة متولي، وهو شاب مصري لم يكمل عقده الثالث، وكان قد استقل المركب مع زملائه وبرفقته زوجته وابنه الصغير ولديه أمل في توفير حياة كريمة بدلاً من حياة عامل اليومية التي كان يعيشها في إحدى قرى الدلتا، لكنه فقد عائلته عقب غرقها في البحر أمامه وعجزه عن إنقاذها، بعدما ظلوا لساعات طويلة موجودين في البحر من دون أن يجدوا من ينقذهم. يستذكر متولي، الموجود في المستشفى وهو مقيّد بالسرير لاتهامه بمحاولة الهجرة غير الشرعية، ما حدث في اللحظات الأخيرة قبل غرق المركب، وخاصة عندما طالبه من يجيدون السباحة بالقفز من المركب بعد تمايله يميناً ويساراً، قبل أن يبدأ غرقه بصورة كاملة، مشيرا إلى أنّ كثيرين رفضوا القفز قبل أن يجدوا أنفسهم في المياه دون أطواق نجاة.
لحظات عصيبة عاشها هذا الشاب في طريق رحلة الهجرة التي لم تكتمل، فيما أكد، خلال حديثه إلى «الأخبار»، أن كثيراً من الركاب حاولوا الاتصال بذويهم من أجل محاولة إنقاذ المركب قبل الغرق، لكن تلك المكالمات لم تعجل بوصول قوات خفر السواحل المصرية، التي وصلت بعد ساعات من الغرق، وعمليا من استطاع إنقاذهم هي بعض مراكب الصيد التي كانت هناك.
وفقاً لروايات شهود العيان الناجين، فإن رحلة المركب لم تنطلق من رشيد كما كان مخططا، حيث جرى إنزال أعداد كبيرة من المسافرين السوريين والسودانيين إلى قاع المركب قبل أن يصلها المصريون الذين طالبوا البحارة بتقسيم الرحلة على دفعتين. لكن الأخيرين تمسكوا بالتحرك بجميع المهاجرين مرة واحدة، مؤكدين أن الأعداد ليست أكثر مما يستطيع هذا النوع من المراكب حمله، ثم نشب خلاف بين مهاجرين سودانيين والبحارة بسبب عدم تسديد هؤلاء باقي المبالغ المتفق عليها ورغبتهم في سدادها عند الوصول، ما تسبب أيضا في فقدان حالة التوازن في المركب ثم غرقه.
تحدثنا مع ناجٍ آخر يدعى بدر محمد، قال إنه يتذكر جميع تفاصيل الرحلة التي انتهت بعد ساعات قليلة من بدايتها بنهاية مأساوية تمكن من النجاة منها بأعجوبة، مضيفا أنه لا يعرف مصير بعض الشباب الذين رافقوه في الرحلة، ومؤكداً أن العدد الكبير للمسافرين وكون المركب قديما عاملان تسببا في الغرق وخاصة أن ارتفاع الموج لم يكن عاليا.
وحاليا، قررت النيابة المصرية إخلاء سبيل الناجين الـ160 بضمانات محل إقامتهم للمصريين وبضمان وثيقة السفر للأجانب، لكنها أمرت بحبس خمسة أفراد من طاقم المركب والبحث عن أربعة آخرين متورطين في التخطيط للرحلة ومساعدة طاقمها بالإضافة إلى إصدار قرار ضبط وإحضار لمالك المركب.
وقال مصدر أمني لـ«الأخبار» إنه يصعب تحديد أعداد الذين كانوا على المركب بدقة في ظل أن التحريات الأولية تظهر وجود مجموعة كبيرة من الأفارقة والسوريين، الذين قد لا يبلغ ذووهم عنهم. كما أن المقبوض عليهم ينفون وجود قائمة كاملة بالركاب معهم، فيما تتواصل عمليات البحث عن الناجين واستخراج الجثامين.