يوم كانت وزارة الخارجية الروسية تحضّر لمؤتمر «موسكو 1» (كانون الثاني الماضي)، لم تهتم بتوزيع «جوائز ترضية» على حلفاء السعودية وتركيا من المعارضة السورية الذين أمعنوا في وضع الشروط وكيل الاتهامات للدور الروسي في بلادهم. حينها، فضّلت موسكو إجراء المؤتمر بمن حضر. قبل تنظيم المؤتمر، كان بين يدي الخارجية الروسية مجموعة أوراق واقتراحات لجمع أطياف المعارضة السورية.
ومنها أن يقوم نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف بجولة تشاورية في منطقة الشرق الأوسط تشمل مصر والسعودية والأردن وقطر وإيران لإشراك هذه الأطراف بالحل الروسي، إلى جانب دعوة وزراء خارجية هذه الدول إلى مؤتمر موسكو «حيث إن مشاركتهم تمنع الفشل». كذلك، دعوة عدد من الشخصيات العربية إلى المؤتمر بصفة مراقبين أو ضيوف شرف، على أن يكون باستطاعتهم أن يلعبوا دوراً بناءً، كالمفكر المصري محمد حسنين هيكل، وشخصيات لبنانية كالعماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية، وحضور النائب وليد جنبلاط لما له من تأثير لدى دروز سوريا والرئيس سعد الحريري كشخصية سنية... وشخصيات أخرى كرئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي.
حينها، جرى المؤتمر بمن حضر من معارضة الداخل ووفد سوري رسمي وبعض الأسماء، ثمّ توسّع مؤتمر «موسكو 2» ليشمل «هيئة التنسيق» و«تيار بناء الدولة»... لكن دون «مباركة» خليجية ــ تركية وطبعاً أميركية. اليوم، موسكو أعادت الاعتبار لهذه الورقة، وطلبت من بعض أصدقائها الذين هم على صلة بالمعارضين السوريين أن «يطّلعوا على أفكارهم وما يمكن تسويقه لحلّ». وهذه الأفكار التي ستقدّم للروس لاحقاً بعد سلسلة لقاءات ستطرحها موسكو على واشنطن لبناء مشروع «جنيف 3».
جولة بوغدانوف الأخيرة في المنطقة تضمنت جزءاً سورياً، إذ في زيارته نهاية الشهر الماضي للرياض، لمس رضى سعودياً على الحراك الروسي، خاصة بعد عدم استخدام موسكو لحق النقض ضد القرار المتعلق باليمن في مجلس الأمن. بوغدانوف أكد للسعوديين ضرورة الحل في سوريا، واستشف منهم «نفورهم من الأميركيين الذين لم يتحركوا خلال 4 سنين من الحرب السورية... وغضباً من غطائهم الممنوح للحشد الشعبي العراقي»، بحسب ما نقل عن دبلوماسي روسي متابع للملف.

دعوة شخصيات
عربية كهيكل
وعون والحريري وفرنجية وجنبلاط

ومن الإشارات الروسية الإيجابية، استقبال الرئيس فلاديمير بوتين للرئيس سعد الحريري منتصف الشهر الماضي، وذلك بعد أشهر من تعليق زيارته بسبب رفض الروس استقبال بوتين شخصياً لـ«المبعوث السعودي».
وفي السياق، نقل دبلوماسي روسي لزواره السوريين قبل أيام أنّ لقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف بنظيره الأميركي جون كيري الأخير في سوتشي، كان إيجابياً على الصعيدين الأوكراني والسوري، خصوصاً لضرورة عقد «جنيف 3».
بدوره، التقى وزير المصالحة الوطنية علي حيدر في بيروت قبل أيام إحدى الشخصيات من معارضة الداخل على صلة بالمشاورات الروسية ليستطلع منها التطورات، لكن لا تبدو دمشق مهتمة بعقد «جنيف 3» بل هي تميل إلى «موسكو» جديد يريحها من «ضغط جنيف 1» والتفسيرات المتعددة التي طاولت بنوده، خاصة في ما يتعلق بالمرحلة الانتقالية. ولا تعتبر دمشق نفسها معنية بتقديم تنازلات لأعدائها وخصومها رغم الانتكاسات الميدانية الأخيرة في إدلب خاصة. وهي لا ترى في تلك الخسائر أي خطر محدق بالنظام وجيشه، لتشعر بضرورة التنازل أو إشراك معارضة الخارج في تسويات مؤلمة. كذلك، لن تشارك في مفاوضات لأي حل لا تكون فيه قد استعادت تقدّمها العسكري، وهذا ما تحضّر له. وهي، بالتالي، غير معنية، بإعادة سيناريو «جنيف 1» مثلاً، يوم تمكّن الأميركيون من تحصيل مكاسب سياسية على إيقاع التقدّم الميداني للمعارضة في عموم الأراضي السورية، وفي محيط العاصمة خاصة. على الجبهة الروسية، بالتوازي مع الحراك الدبلوماسي، تواصل موسكو توريد السلاح للجانب السوري حسب الاتفاقات الموقعة، دون أي تأخير. يأتي ذلك، في ظلّ حملة إعلامية، خليجية بالخصوص، تشيع أخباراً عن «تخلّي روسيا عن الأسد، واستشعار موسكو بتعنّت النظام الذي يخسر مزيداً من المناطق».
هذه «الحملة»، لم تلتفت لتصريح مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، في 22 أيار الماضي، عندما قال إنّ «واشنطن أدركت أن لا بديل للرئيس بشار الأسد». هذا التصريح، تصدّت له المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماري هارف، أول من أمس، بقولها إنّ «واشنطن تستبعد احتمال أي تعاون مع نظام بشار الأسد»، الذي «ليس له أي مستقبل في سوريا».