لم تكتفِ موسكو بتوضيح مسؤولية الخلاف بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزارة دفاعه، في إفشال وقف إطلاق النار في سوريا وبقية بنود «اتفاق جنيف» بما فيها التعاون المشترك ضد الجماعات الإرهابية، إذ نشرت أمس واحدة من وثائق الاتفاق، تتضمن التفاصيل التقنية لتطبيق وقف إطلاق النار ودخول المساعدات في محيط حلب، وهو ما كانت وكالة «اسوشييتد برس» قد نشرت جزءاً منه منذ أيام. الإصرار الروسي على نشر كامل الاتفاق، ينطلق من منطلقات أساسية عدة، أهمها يتمثل في التأكيد على التزام الجانب الروسي وحلفائه بما يلزمهم به الاتفاق، في مقابل تنصل الطرف الأميركي من القيام بما تعهد به، وعلى رأسه فصل «المعتدلين» عن «النصرة». يضاف إلى هذا، إحراج واشنطن التي أصرت مراراً على عدم نشر بنوده حتى أمام أعضاء مجلس الأمن، بحجة أن وصولها إلى أطراف على الأرض قد يضرّ بآلية تنفيذه ويعرقل فرص نجاحه، برغم أنها أرسلت سابقاً للفصائل المسلّحة عبر مبعوثها الخاص إلى سوريا مايكل راتني، تفاصيل الاتفاق في محيط مدينة حلب. وحمل بيان وزارة الخارجية الروسية، دعوة صريحة لواشنطن إلى الموافقة على نشر «الحزمة الكاملة» من الوثائق حول سوريا، بما فيها وثيقة «صلاحيات المركز التنفيذي المشترك»، والتي تنص على أن على الخبراء العسكريين الروس والأميركيين تحديد الأهداف وتنسيق الغارات الجوية، إضافة إلى «الملحق الثاني» للاتفاقية، الذي يوضح آليات مراقبة الطريق المؤدي إلى مدينة حلب من الجنوب (الراموسة).
شمخاني: مستقبل حلب وباقي المناطق سيتحدد في ساحة المعركة
وأشار إلى أن «وزارة الخارجية الأميركية نشرت ــ بعد تسريبات في الصحافة الغربية ــ أجزاء مما اتُفق عليه في التاسع من الشهر الجاري في جنيف، دون تنسيق مسبق مع موسكو». وأضاف أنه جرت دعوة الولايات المتحدة مراراً إلى نشر وثائق الاتفاقية تباعاً، لكن الجانب الأميركي كان يعترض دوماً»، مضيفاً أن «اللافت، هو رفضها (الولايات المتحدة) تأكيد تعهدها بشكل واضح وعلني، بفصل المعتدلين عن جبهة النصرة، وبالتعاون مع روسيا في استهداف الإرهابيين وحلفائهم ممن يرفضون الهدنة». وختم البيان بالقول إن روسيا تعرب عن أملها بأن «تلتزم الولايات المتحدة بفصل المعتدلين عن الإرهابيين... وخاصة أن عدداً كبيراً من الفصائل التي تعدّها واشنطن معتدلة، تعمل مع جبهة النصرة، بل واندمجت معها».وعلى صعيد آخر، أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، خلال لقاء مع السفير السوري في موسكو رياض حداد، استمرار بلاده في دعم دمشق ضد الإرهاب والعمل على إنجاح التسوية السياسية للأزمة السورية، وفق قرار مجلس الأمن الدولي «2254».
ومن جهة أخرى، أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال لقائه رئيسة مجلس الشعب السوري هدية عباس، استمرار دعم الإيراني لدمشق في مواجهة الإرهاب. وقال إن بلاده واثقة بأن «النصر النهائي سيكون حليف الشعب السوري»، معرباً عن أمله في أن «يثمر سريعاً الحوار السوري بين الحكومة والمعارضين الملتزمين باستقلال وإرادة الشعب، نحو الوصول إلى حل سياسي واتفاق شام». ومن جهتها، أكدت عباس، أن «الشعب السوري هو المرجع الوحيد الذي يمكنه اتخاذ القرار حول مستقبل بلاده»، مضيفة أنه «لو أرادت القوى الكبرى دعم هذا الشعب، فعليها بذل الجهود في سياق وقف الإرهاب». وبدوره، أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، أن بلاده مستمرة فى دعمها لسوريا «حتى تحقيق النصر على الإرهاب». ولفت إلى أن «الحل الوحيد لإنهاء الأزمة في سورية هو في استمرار الحوار السوري ــ السوري»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «مستقبل حلب وباقي المناطق السورية سوف يتحدد فقط في ساحة المعركة مع التكفيريين».
إلى ذلك، دعا الأمين العام لحلف «شمال الأطلسي» ينس ستولتنبرغ، روسيا إلى استخدام نفوذها لدى دمشق للسماح بوصول قوافل المساعدات الإنسانية إلى مدينة حلب، وضمان بدء عملية الانتقال السياسي. وقال خلال لقاء مع وزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي، إنه «ستُرسَل طائرات استطلاع إلى سوريا لمساندة قوات (التحالف الدولي) في عملياتها ضد تنظيم (داعش)». وفي السياق، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، عن احتمال مشاركة «قوات خاصة» تابعة لدول «التحالف الدولي» إلى جانب «قوات محلية» في معركتي مدينتي الرقة السورية والموصل العراقية، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي في أنقرة، أنه يمكن «إنقاذ» المدينتين من تنظيم «داعش»، إذا «أرسلت تركيا وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول، قواتها الخاصة إلى هناك». وعلى صعيد متصل، أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عن شكها تجاه إمكان إقامة منطقة «حظر جوي» فوق مناطق في سوريا، مضيفة أنه يجب بذل جهود إضافية من أجل إعادة تفعيل «الهدنة» هناك. ورأت خلال مؤتمر صحافي في برلين، أن «تحسين فرص الهدنة متوقف حالياً على نحو واضح على روسيا وعلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد».
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول، تاس)