بعد التصريحات المتتالية التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، حول ضرورة «الحفاظ على ديموغرافية مدينة الموصل»، والحرص على حماية التركمان هناك، اعترف المتحدث باسم الرئاسة ابراهيم قالين، بتدريب بلاده لأكثر من خمسة آلاف من سكان الموصل من أجل إشراكهم في معركة المدينة ضد «داعش». وجاء كلام قالين بعدما تحدّثت تقارير صحافية عن تدريب الآلاف من أبناء العشائر الموالية لطارق الهاشمي (نائب رئيس جمهورية سابق) ومحافظ الموصل السابق أثيل النجيفي (قائد الحشد الوطني) وكلاهما يقيم في اسطنبول، بالتزامن مع الدور المهم الذي تؤديه القوات التركية المنتشرة شرق الموصل، في عملية التنسيق والتعاون والتدريب استعداداً لتنفيذ المخططات والمشاريع التركية في معارك المدينة قريباً.
أنقرة: معركة الموصل يجب أن تراعي تركيبتها الديموغرافية
وأشارت وسائل إعلام تركية إلى أهمية التوقيت الزمني لتصريحات قالين، التي أتت بعد أيام على حديث أردوغان عن «اتفاقية لوزان» (عام ١٩٢٣) التي أقرّت حدود الجمهورية التركية الحالية، حيث رفض الاعتراف بمقتضيات هذه الاتفاقية، معتبراً أنها أعطت العديد من الجزر القريبة من السواحل التركية في بحر أيجة إلى اليونان. وفي الوقت الذي تتحدث فيه الأوساط القومية عن «الحق التاريخي» لتركيا في كركوك والموصل، اعتبر بعض الديبلوماسيين حديث أردوغان مهمّاً ومرتبطاً بموقف تركيا بشأن سوريا والعراق، حيث رسم البرلمان التركي عام ١٩٢٠ حدود «الميثاق الوطني لتركيا»، وكانت تشمل شمال سوريا بما فيها حلب والرقة وصولاً إلى «ولاية الموصل» التي كانت تضم آنذاك مدن الموصل والسليمانية واربيل وكركوك، وتضمّ نسبة مرتفعة من التركمان. وكانت الجمهورية التركية قد تخلت عن «ولاية الموصل» لصالح البريطانيين وفق «اتفاقية ١٩٢٥» مقابل تعويضات مالية من البترول العراقي لمدة ٢٥ عاما، دفعتها الدولة العراقية لتركيا حتى عام ١٩٥٦.
ويأتي ما سبق، مترافقاً مع تحذيرات وزير الدفاع التركي فكري إيشق، من احتمال نزوح مليون شخص من سكان الموصل نحو تركيا، مع بدء العملية العسكرية المرتقبة في المدينة، مؤكداً خلال تصريح صحافي، أمس، أنه يجب «إعداد خطة محكمة، والأخذ بعين الاعتبار التركيبة الديموغرافية للمدينة خلال العملية». ولفت إلى أنه اذا لم يتم إيقاف هؤلاء النازحين من الأراضي العراقية، فأنهم سيتوجهون نحو بلاده، ولذلك فإن «عملية تحرير الموصل مرتبطة بتركيا بشكل مباشر».
وبالتوازي مع ما يجري في الموصل، تستمر أنقرة في تنفيذ مشاريعها ومخططاتها في الشمال السوري عبر التنسيق والتعاون المباشر مع الفصائل المسلّحة، وفي مقدمتها تلك التي تضم العناصر التركمانية والتي تم تشكيلها وتدريبها وتسليحها من قبل الاستخبارات التركية. وكان أردوغان قد تحدث عن نية بلاده «تشكيل جيش سوري وطني» يضمّ ٦٥ ألفاً من «العناصر المعتدلة»، وسيسعى الجيش التركي إلى إقامة «منطقة آمنة» بين جرابلس بحيث ستضم بلدة الباب التي يسيطر عليها «داعش» ومنبج الواقعة تحت سيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية.
وبينما أكدّ أردوغان مراراً على أن جيش بلاده لن ينسحب من الشمال السوري إلا بعد تحقيق جميع الأهداف التي دخل من أجلها، اعتبرت بعض الأوساط الديبلوماسية والإعلامية، أن إقامة «كيان تركماني» في شمال سوريا يندرج في مقدمة هذه الأهداف. وقالت إن ما تسعى إليه أنقرة هو «فرض رأيها على الجانب السوري بل وحتى الروسي والإيراني في مرحلة المفاوضات وعبر سياسات الامر الواقع».
ويبدو لافتاً تركيز الإعلام الموالي للرئاسة التركية، على التوقيت الزمني لدخول الجيش التركي إلى مدينة جرابلس وهو ٢٤ آب، الذي يصادف الذكرى ٦٠٠ لمعركة مرج دابق، التي انتصر فيها السلطان العثماني سليم على الجيش المملوكي ودخل بعدها إلى سوريا ومنها إلى فلسطين ثم القاهرة، ليتم إعلانه هناك خليفة للمسلمين. ويستّعد الجيش التركي حالياً مع الفصائل المتحالفة لاجتياح بلدة دابق شمال غرب مدينة الباب، وهي البلدة التي سمى «داعش» صحيفته الالكترونية باسمها، لما لها من أهمية عقائدية بالغة بالنسبة له، حيث «سيلتقي جيش المسلمين جيش الكفار هناك».
إلى ذلك، استبعد عدد من التحليلات أن تلتزم أنقرة أيا من تعهداتها لروسيا وإيران،