بمناسبة الذكرى الـ 48 لحرب عام 1967، المعروفة إسرائيلياً بحرب الأيام الستة، حرر أرشيف الجيش الإسرائيلي أمس عدداً من المحاضر الخاصة بالمداولات التي شهدتها هيئة الأركان العامة عشية الحرب. كما أماط الأرشيف العسكري اللثام عن يوميات الحرب في غرفة العمليات العليا التي توثق القرارات التي تم اتخاذها خلال أيام الحرب.وتكشف الوثائق أجواء الضغط التي مارستها القيادة العسكرية على الحكومة للشروع في الحرب، من دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف والرأي العام الدوليين، فيما كان رئيس الوزراء في حينه، ليفي أشكول، يحاول ربط قرار الحرب بالضوء الأخضر الأميركي.

وتروي الوثائق كيف أن رئيس الأركان آنذاك، إسحاق رابين، حذر من خطر وجودي في حال تأخير الخروج إلى الحرب، قائلاً لوزراء الحكومة «أعتقد أننا قد نصبح في وضع عسكري نخسر فيه الكثير من المزايا، وقد نصل إلى وضع لا أريد وصفه بعبارات قاسية، لكن سيكون هناك خطر جدي على وجود دولة إسرائيل وستكون الحرب صعبة وشديدة وكثيرة الخسائر».
حاول رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه ربط قرار الحرب بالضوء الأخضر الأميركي

وفي الاجتماع الذي عقد في الثاني من حزيران، أي قبل يومين من الحرب، بدا جنرالات الجيش، على رأسهم رابين، كما لو أن الواقعة قد وقعت وأن قرار الحرب لا بد أن يتخذ. وقال رئيس الأركان مخاطباً الوزراء «نظراً لانتشار الجيش المصري في سيناء، فإن كل يوم يمر من دون شن هجوم عسكري سيؤدي إلى زيادة تحصيناته في المنطقة»، مضيفاً «في حال اضطررنا إلى ضربهم، سيكون الأمر أكثر صعوبة»، ومشيراً إلى أنه في هذه الحالة لن «يجلس السوريون بهدوء». ومضى رابين يشرح وجهة نظره حول الوضع قائلاً «أنا على الأقل أشعر، وهو أكثر من شعور، بأن هناك طوقاً عسكرياً وسياسياً حولنا آخذ في الانغلاق، ولا أعتقد أن أحداً آخر سوف يفتحه. ليس لدينا الرخصة بأن ننتظر حتى يتشكل وضع ينطوي على المزيد من الصعوبة والتعقيد، إن لم يكن أكثر من ذلك، ولا أريد أن أعبر عن ذلك بشكل واضح إذا لم نتحرك فوراً».
وأوضح رئيس الأركان الإسرائيلي في حينه أن الهدف الرئيسي من الهجوم سيكون «إنزال ضربة قاضية بعبد الناصر»، من شأنها أن تحدث «تغييراً في الشرق الأوسط كله». وأضاف «أعتقد أننا اليوم ندخل في وضع لن يكون لنا مفر منه. الوقت لا يعمل لمصلحتنا، وبعد أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة سيكون الوضع أكثر سوءاً».
وانضمّ رئيس الاستخبارات العسكرية، أهارون ياريف، إلى رأي رابين، شارحاً سبل العمل المصرية المحتملة: «إما الاستفزاز من خلال المبادرة إلى عمليات فدائية تقف إسرائيل قبالتها عديمة الحيلة أو إنزال ضربة عسكرية تدمر ديمونا وربما المطارات».
أما قائد سلاح الجو، مردخاي هود، فقد شدد على جهوزية سلاحه للعمل فوراً «ولا حاجة للانتظار 24 ساعة»، فيما كان الجنرال أرييل شارون الأشد قساوة في نقد سلوك الحكومة، معتبراً أن «التردد والمماطلة أديا إلى أن نفقد عنصر الردع الأساسي الذي نمتلكه وهو خوف الدول العربية منا». وأضاف «إن تراكض الحكومة بين الدول العظمى وطلب النجدة منها غير وارد عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على حقوقنا». كما عبر الجنرال ماتي بيلد عن رأي شبيه برأي شارون، قائلاً إنّ «هيئة الأركان العامة لم تحصل على شرح يبرر انتظارنا. إذا كنا ننتظر شيئاً فاكشفوا عن السر ولنعلم ماذا ننتظر». واتهم بيلد الحكومة بالتسبب بالأزمة لأن «مصدر التحرش المصري الذي أدى إلى الأزمة هو أن (جمال) عبد الناصر استند إلى تردد الحكومة الإسرائيلية، وهو فعل ذلك واثقاً بأننا لن نجرؤ على الرد».
من جهته، رد ليفي أشكول على ضغوط الجيش بما يعكس تخوفه من تداعيات قرار الحرب على الجبهة السياسية وحرصه على استحصال الضوء الأخضر الأميركي قبل اتخاذه، وقال: «ينبغي عدم التعامل مع أنفسنا كما لو أننا طواليت (جمع طالوت). في دولة عدد سكانها مليونان، يجب علينا أن نسأل أنفسنا: لنفترض أني قبلت بالقول لماذا علينا أن ندع الوقت يمر من دون الشروع بالهجوم. لنفترض أننا كسرنا اليوم قوة العدو، إلا أنه سيبدأ من الغد ببنائها من جديد، لأننا نحن أيضاً سنكون قد خسرنا من قوتنا. إذّاك، إذا كنا كل عشر سنوات سنضطر إلى القتال، فسيكون علينا أن نفكر في ما إذا كان يوجد حليف يساعدنا، أم أننا اليوم سنتحدث مع حليفنا ونقول له غداً: نحن نهزأ بك». أضاف «يجب القول لـ(الرئيس الأميركي) جونسون و(الرئيس الفرنسي شارل) ديغول و(رئيس الوزراء البريطاني) هارولد ويلسون إن الوضع هو كالآتي: مسألة شرم الشيخ مهمة جداً، إلا أن ما يحصل يشكل تهديداً شديداً علينا».
وتروي مذكرات الحرب اليومية التي وثقت في غرفة العمليات العسكرية كيفية إدارة المعارك واتخاذ القرارات ذات الصلة. ويظهر فيها على سبيل المثال كيف أن قائد سلاح الجو قدم تقريراً عند الساعة 11:05 من صباح 5 حزيران بتدمير 180 طائرة مصرية. كما يظهر كيف أعطى وزير الأمن، موشيه ديان، في البداية توجيهاته بعدم استهداف سوريا، ثم عاد بعد ساعات إلى إصدار أوامره بقصف أهداف داخل سوريا، من بينها أربعة مطارات، بذريعة أن السوريين قصفوا طبريا ومجدو.
وتظهر يوميات غرفة القيادة العسكرية تدحرج بعض القرارات، وخصوصاً تلك المتعلقة باحتلال الضفة الغربية، بدءاً من تصنيفها كأولوية أخيرة، مروراً باتخاذ قرار باحتلالها من دون منطقة بيت المنطقة، وصولاً إلى حسم القرار بدخول القدس الشرقية كلها، بما في ذلك بيت الحرم القدسي في السابع من حزيران.
وبحسب محاضر اليوميات، أصدر الجيش أمراً في 11 حزيران لكل الجبهات بوجوب «الانتقال إلى الوضعية الدفاعية على الحدود الجديدة لدولة إسرائيل في الجنوب والشرق والشمال».