لم يحمل اجتماع مجلس الأمن الذي عقد أول من أمس، للتصويت على مشروعي القرارين الفرنسي ــ الإسباني والروسي حول التهدئة في حلب، أي مفاجآت إضافية، وذلك في ضوء التكهنات والتأكيدات التي سبقته بإعلان فشل المشروعين. غير أن هذا الاجتماع قد يشكّل مفترقاً مهمّاً ضمن مسار الحل السوري، لكونه فوّت فرصة العودة إلى المباحثات الديبلوماسية المتعثرة، وأعاد وضع واشنطن أمام اختبار تنفيذ خياراتها «الجديدة» حول سوريا. وقد يكون الإصرار الفرنسي، ومن خلفه الأميركي، على عقد الجلسة رغم المعرفة المسبقة بالفيتو الروسي، قد حقق جزءاً من هدفه، عبر إحراج روسيا وعزلها على منصة مجلس الأمن على اعتبارها عطّلت قراراً يقترح «هدنة» في حلب. وهو ما استجلب رداً روسياً بمشروع قرار يقترح بدوره «هدنة» في المدينة، مع ذكر «جبهة النصرة» وضرورة فصل «الفصائل المعتدلة» عنها، على أنها أولوية على طريق التهدئة.
لافروف: أوباما وكيري لا يؤيّدان الخيارات العسكرية في سوريا
وتظهر بوضوح محاولات عزل روسيا في المجلس الذي ترأس دورته الحالية، في تفاصيل التصويت على القرارين. ففي حين اعترضت روسيا وفنزويلا على المشروع الفرنسي، لقي المشروع الروسي رفض 9 أعضاء، بينهم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، بينما أيّدته فنزويلا ومصر والصين. وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قد استبق الاجتماع بتحذيره «أي دولة تستخدم الفيتو ضد مشروع القرار» بأنها «ستخسر مصداقيتها أمام العالم، وستكون مسؤولة عن استمرار الفظاعات». كذلك اتهّم وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، روسيا بإطالة أمد الحرب، لكونها «اختارت أن تصبح منافساً وليس شريكاً للغرب».
وفي انتظار تبلور خيارات المرحلة الجديدة، قد يشكّل توحيد وتصعيد الجهود السياسية ضد موسكو وتصويرها كمعطّل لأغلبية الإرادة الدولية، أرضية يمكن الاستناد إليها كذريعة لأي تدخل عسكري محدود في سوريا، خارج نطاق القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، وهو ما سيعطي الإدارة الأميركية الجديدة هامشاً جديداً للمناورة في الملف السوري.
أما موسكو التي تملك أفضلية عبر وجودها العسكري القوي في الميدان، فتصرّ على أولوية «فصل المعتدلين عن الإرهابيين»، محمّلة انقسام الإدارة الأميركية الداخلية مسؤولية تعطيل المسار السياسي. وضمن هذا الإطار، أشار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى أن الجانب الأميركي منقسم بين الداعمين للجهود الديبلوماسية والداعين إلى حل عسكري، مشيراً إلى أن الأركان الروسية تفاعلت بشكل مباشر مع التسريبات الأميركية التي تحدثت عن احتمال استهداف المطارات السورية بصواريخ «كروز» لمنع المقاتلات من التحليق. وأوضح أن هذه التسريبات تعدّ ألاعيب خطيرة، بالنظر إلى وجود القوات الروسية في سوريا بناءً على طلب الحكومة الشرعية، في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية، وأنظمة الدفاع الجوي التي تؤمن لها الحماية. ورأى أن الأطراف الأميركية التي تقترح خيارات عسكرية جديدة على طاولة البيت الأبيض، «ستهدأ بعد فترة وتعود إلى الواقع»، موضحاً أن مصادر في واشنطن أشارت إلى أن «إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تعلم بشكل جيد أن أي غارات على مواقع القوات السورية تشكّل خرقاً واضحاً للقانون الدولي». وذكّر بالغارات الأميركية التي استهدفت مواقع للجيش السوري في دير الزور، لافتاً إلى أنها تدلّ بوضوح على أن جانباً من الأميركيين مصرّ على إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد بالقوة، ومعرباً عن اعتقاده بأن وزير الخارجية جون كيري والرئيس أوباما لا يؤيدان مثل هذه التحركات». وقال إن هناك «تغيراً جذرياً في ما يخص (الروسوفوبيا) التي تستند إليها حالياً السياسة الأميركية»، مشدداً على أن «الحديث لا يدور عن تصريحات معادية لروسيا فقط، بل عن خطوات عدائية تمس بمصالحنا وتعرّض أمننا القومي للخطر». وعلى صعيد متصل، رأى المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، أن ما جرى في مجلس الأمن «لا يعني نهاية عمل المجموعة الدولية لدعم سوريا».
(الأخبار، أ ف ب، تاس)