إلى ما قبل إعلان وزير الداخلية المغربي، محمد حصاد، النتائج الأولية للانتخابات التشريعية، أول من أمس، أطلّ الأمين العام لـ»العدالة والتنمية»، عبد الإله بنكيران، من مقر حزبه في العاصمة الرباط، ليعلن فوزهم بـ«استحقاق 7 أكتوبر» بـ«فارق مريح».وفي مؤتمر لبنكيران وحوله عدد من قادة حزبه، ألقى رئيس الحكومة المنتهية ولايته كلمة أمام مؤيدي حزبه والصحافيين، مشيرا إلى أن النتائج تؤكد أنه في الصدارة، وذلك بعد خمس سنوات من قيادة الحكومة. وبينما أسهب في الحديث عن «أسباب نجاح حزبه»، تحدث عن جدية وزرائه ونزاهتهم.
كذلك، أكد الأمين العام لـ«العدالة والتنمية» أن جميع وزراء حزبه تمكنوا من ضمان مقاعد لهم في البرلمان، إضافة إلى باقي أعضاء الأمانة العامة المترشحين، لكن المفاجأة الكبرى كانت فوزه بنفسه في دائرة سلا (القريبة من العاصمة الرباط) بثلاثة مقاعد من أصل أربعة.
وكان بنكيران قد اختار أن يترشح في الدائرة التي دأب على التنافس فيها، لكن ترشحه هذه المرة كان «استفتاء مصغرا» حول شخصه، وامتحانا لمدى شعبيته، فضلا عن أنه كان «تحديا حقيقيا لباقي الأمناء العامين للأحزاب للنزول للتنافس».
قبل كلمة بنكيران، عمّم الحزب بلاغا انتقد ما وصفها بـ«الخروق»، دون أن يصل إلى درجة التشكيك في سلامة العملية الانتخابية، وهو الأمر الذي يبدو أنه لم يرق السلطة، وخاصة وزارة الداخلية، التي أكدت أنها توجِد «مسافة واحدة من جميع المنافسين»، وأن تورّط بعض أعوانها في دعم أحزاب المعارضة «سلوك فردي لا يعبّر عن توجه رسمي». أمّا وزير الداخلية، فلم يتردد في تهنئة «العدالة والتنمية على تصدّره الانتخابات التشريعية»، برغم كل انتقادات الأخير ضد «الداخلية».

الخاسرون والرابحون

بقدر ما كرّست النتائج «العدالة والتنمية» في صدارة المشهد السياسي، فإنها منحت منافسه الانتخابي «الأصالة والمعاصرة» تقدما واضحا، بعدما أضاف لرصيده أكثر من عشرين مقعدا، ما يجعله في «المطادرة» عبر كتلة نيابية كبيرة يمكن أن تعدّ العمود الفقري لمعارضة قوية قادرة على ممارسة ضغوط قوية على «الحزب الحاكم».
لكن أكبر إنجاز يمكن أن يعتدّ به «الأصالة والمعاصرة» هو ما يروّجه بعض قادته حول أن التصويت الشعبي له، وحلوله في الصف الثاني، يؤكدان أنه «حزب طبيعي»، بعدما اتُهم بأنه «حزب السلطة»، وأنه يعيش «عقدة النشأة»، لأن مؤسسه هو فؤاد عالي الهمة، الذي كان رفيق دراسة الملك محمد السادس، كما كان يشغل منصب الوزير المنتدب في الداخلية، قبل أن يؤسس الحزب. كما أن رياح «الربيع العربي» أرجعته إلى مربع السلطة، بعدما استقال من الحزب، فعيّنه الملك مستشارا له للشؤون السياسية والأمنية.
وكانت مواجهة «العدالة والتنمية» و«الأصالة والمعاصرة» مليئة بالاتهامات، وخاصة وصف الأول للثاني بأنه «وجه التحكّم السياسي»، وأن دوره هو «القضاء على الأحزاب الوطنية» التي تعبّر عن حساسيات مجتمعية، مستحضرا ميلاده في «حضن السلطة».
وبرغم أن النتائج لا تخول «الأصالة والمعاصرة» تأليف الحكومة، فإنها تجعله في موقع مريح متقدم لإقامة تحالفات قوية في مواجهة الحكومة المفترضة، التي لن يشارك فيها على الأغلب، ما دام يرى في التحالف مع حزب بنكيران «خطا أحمر».
أما أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات، فهو حزب «الاستقلال»، الذي فقد عددا كبيرا من مقاعده البرلمانية، كما سقط في عدد من الدوائر التي كانت توصف بـ«القلاع الانتخابية للعائلات الاستقلالية». ويبدو أن النتائج ستهزّ البيت الاستقلالي، وأن تداعياتها قد تطيح الأمين العام للحزب، حميد شباط، الذي وعد أنصاره سابقا بتصدر الانتخابات البلدية ولم يوفق، كما الحال مع البرلمانية.
وبخسارة «الاستقلال»، يفقد «العدالة والتنمية» الوزن الانتخابي لحليف سياسي مفترض، بالنظر إلى القرب في المرجعية المحافظة بين الحزبين، وبعد التقارب السياسي خلال الأشهر التي تلت الانتخابات البلدية العام الماضي.
من جهة ثانية، واصل حزب «الاتحاد الاشتراكي» تراجعه كما كان متوقعا، فاقداً الكثير من وزنه الانتخابي، وهو الأمر الذي ينسحب على الحزب اليساري الثاني، أي «التقدم والاشتراكية»، الذي شارك في حكومة بنكيران منذ 2011، وكان يتوقع أن يحسّن موقعه مستفيدا من التحالف مع «العدالة والتنمية».

تحالفات معقدة

برغم الصدارة، وقع «العدالة والتنمية» في ورطة إقامة التحالفات لقيادة الحكومة المقبلة، وسيضطر إلى حكومة موسعة عبر تأمين «أغلبية برلمانية مشتتة» من أجل نيل الثقة والقدرة على تمرير مشاريع القوانين في البرلمان.
في ظل هذه الوضعية الملتبسة، بعد تقاسم غالبية المقاعد بين حزبين فقط، فإن تأليف الحكومة المقبلة سيحتاج إلى «ائتلاف موسع»، وهو الأمر الذي قد لا ينجح «العدالة والتنمية» في تأمينه، بالنظر إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بـ«الاستقلال»، وتراجع حليفه الأساسي «التقدم والاشتراكية»، وصعوبة التحالف مع «الأصالة والمعاصرة»، فضلا عن أن علاقته بباقي الأحزاب ليست على ما يرام، وخاصة مع «التجمع الوطني للأحرار» و«الحركة الشعبية»، وهما الحزبان اللذان يوصفان بـ«الإداريين».
لذلك، قال مراقبون إن النتائج أعطت «نصف انتصار» للحزب الإسلامي، أو أنه «انتصار مسموم» يستبطن حالة من العجز عن تأليف حكومة قوية ومصغّرة، بامتداد برلماني متحكّم فيه وفعّال.
وإذا كان الدستور يلزم الملك المغربي تعيين رئيس حكومة من الحزب المتصدر، فإنه لم يحدد أي آجال لتأليف الحكومة، كما ترك فراغا في حالة عجز رئيس الحكومة المكلف عن ضمان أغلبية برلمانية وتأليف حكومة.
هنا يبرز احتمالان: الأول أن تعود كل الأطراف إلى «الإرادة الشعبية» عبر انتخابات سابقة لأوانها، وهو خيار لم يستبعده بنكيران خلال تجمع خطابي بتارودات (الجنوب)، والثاني أن يتدخل الملك بتفعيل صلاحياته الواسعة، فيستعمل صفته كـ«ساهر على حسن سير المؤسسات» لإيجاد مخرج قانوني وسياسي يكون الأول من نوعه لمعالجة حالة العجز عن تأليف الحكومة.