لا جدال أن نتيجة تصويت الدول الاعضاء في منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) على مشروع القرار العربي ــ الفلسطيني بإنتقاد اسرائيل في تقييدها حرية دخول المسلمين الى الحرم القدسي، وعبارات اخرى، يعد تصويتاً طيباً على قرار عادل. لكن القرار، وما ورد فيه، لا يبرر أن يهلل البعض "للإنتصار". لا يبرر التهليل وكأن فلسطين قد استرجعت وبات الاحتلال من الماضي. للأسف الانتصار شكلي، ويأتي في زمن التراجع وبيع فلسطين بالمجان، ولا يغدو كونه قياسا بالواقع، انتصارا بلا نصر.
يأتي هذا الانتصار الشكلي في زمن التراجع وبيع فلسطين بالمجان
الواضح أن سبب "التهليل" يعود إلى اخفاقات السلطة الفلسطينية والاعتدال العربي وانكشاف تراجعهم بل وحلفهم مع الاحتلال. السلطة، تحديدا، تحتاج في ظل هذا التراجع وغيره، الى انجاز ما، يلهي الفلسطينيين عن اخفاقاتها، الأمر الذي تحقق لها من خلال هذا "الانتصار" المحرف لمضمون القرار كما صدر، وللأسف أيضا من المقدر أن يتلاشى في القراءة الثانية لمشروع القرار، مع ترجيح إقدام الممتنعين عن التصويت في المرة الأولى، على رفضه بعد احجامهم في التصويت الثاني.
في القرار وبمناسبته والتهليل حوله، الكثير من النقاط التي تجب إثارتها، أهمها:
أولاً: عجيب هو التهليل للانتصار في زمن التراجع شبه الكامل. التراجع المقصود هنا يأتي بمعنى التخاذل وبيع فلسطين: التنازل عن الحقوق الفلسطينية حتى الأدنى منها بلا مقابل، وفقط من اجل كيان صوري يسمى "دولة فلسطين" تنحصر مهماته فقط في اراحة الاحتلال من عبء المحتلين الفلسطينيين كأشخاص في موازاة التنازل عن ارضهم للإحتلال؛ يأتي التهليل ايضا في موازاة ما يكاد يحصر مهمة السلطة للأسف، ايضا في تولي الأمن الجاري للإحتلال داخل المدن والقرى الفلسطينية؛ ويأتي هذا التهليل كذلك بما يعبّر عنه "بالتنسيق الأمني" الذي لم تعد تقتصر مهمته فقط على اعتقال من قاوم أو خطط أو نوى مقاومة الاحتلال، بل أيضا من عبّر عن رفضه للاحتلال بالكلمة.
ثانياً: كل ما قيل عن أن قرار اليونيسكو المصوت عليه ينهي ويرفض أي صلة لليهود واسرائيل بالحرم القدسي الشريف، هو كلام غير دقيق في حد أدنى. مراجعة قرار اليونيسكو المصوت عليه لا تشير الى ذلك. لا إشارة الى رفض صلة اليهود بالحرم او حائط البراق، هذه الكلمات لم ترد في نص القرار. وردت فيه ضرورة حفظ التراث الثقافي الفلسطيني وإدانة الاجراءات الاسرائيلية في الحرم وادانة تقييد حرية العبادة للمسلمين فيه. روحية نص القرار تدعو للمحافظة على الوضع القائم ووقف الاعتداءات على الحرم والعودة الى تفاهمات ما قبل عام 2000. نقطة على السطر.
ثالثاً: كل الحديث الصادر والمتداول، وكدلالة على الانتصار الساحق على اسرائيل، هو اسرائيلي المنشأ. القول السائد في الاعلام العربي، أن القرار ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الاقصى وحائط البراق، الذي لم يرد اساسا في القرار، ذو منشأ اسرائيلي. تل ابيب وإعلامها ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، هولوا على القرار وعلى المصوتين وعلى الممتنعين عبر "تفسير" القرار على نحو يضع اسرائيل بموضع الضحية امام الغرب. الهدف كان وما زال من "الهمروجة" الاسرائيلية التي انجر العرب وراءها، هو دفع المصوتين للتصويت بلا في القراءة الثانية لمشروع القرار، الذي للاسف من المقدر ان تأتي نتيجته كما تريد اسرائيل.
رابعاً: كان الأولى بالمهللين للانتصار الساحق الماحق على الاحتلال، في زمن الردة والتراجع والتخاذل وبيع فلسطين، أن يوضحوا مضمون القرار وما ورد فيه، وألا ينجروا الى الدعاية الاسرائيلية الموجهة لمنع التصويت الثاني. رد فعل المهللين يساهم ويعزز المقاربة الاسرائيلية ومن شأنه ان يدفع لإنجاحها. صوتت على القرار بالقراءة الاولى 24 دولة وامتنعت 26 وعارضته 6 دول وتغيبت عن التصويت دولتان. الجلسة المقبلة، للتصويت الثاني، المقرر ان تجري غدا الثلاثاء، إن جاءت نتيجتها كما تشتهي اسرائيل، فسيكون "للتهليل وللانتصار" نصيب فيها.