افتَتَحَت زيارة رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك إلى القاهرة خلال اليومين الماضيين، مساراً علنياً جديداً من العلاقات بين سوريا ومصر، بعد مسار طويل من الاتصالات شبه السّرية عبر القنوات الأمنية، على امتداد سنوات الأزمة السورية.حتى في عزّ حكم تنظيم «الإخوان المسلمين» والرئيس السابق محمد مرسي، حافظت الإدارة العامة للمخابرات المصرية على قنوات اتصال بأجهزة الأمن السورية، انطلاقاً من الرؤية المصرية لارتباط أمنها القومي بأمن سوريا، وهو ما أكّده الرئيس بشار الأسد خلال أكثر من مقابلة سابقة له.
وإذا كانت مصر في مرحلة ما بعد مرسي، قد اضطُرت إلى الصمت طويلاً عن تآمر الدول الخليجية وجامعة الدول العربية على سوريا لظروف داخلية بحتة، فإن الاعتبارات التاريخية والجيوسياسية وموقع سوريا بالنسبة لساسة وادي النيل، لا تختلف كثيراً عن اعتبارات الجيش المصري، وتصنيفه للجيش السوري على أنه «الجيش المصري الأول»، إلى جانب الجيشين الثاني والثالث اللذين يشكّلان هيكلية الجيش المصري.
ناقش الطرفان عودة سوريا إلى الجامعة العربية مع تحفّظ على الهيمنة الخليجية

حتى إن الرئيس عبد الفتاح السيسي، سبق له أن أرسل رسائل عدّة إلى القيادة السورية والرئيس الأسد، إحداها كانت خلال تولّيه حقيبة الدفاع أثناء حكم مرسي، يؤكّد فيها أن «الحرب التي تخوضها سوريا على الإرهاب هي حرب مصر»، والتزام مصر «وحدة سوريا وسيادتها ودورها».
زيارة مملوك على رأس وفد من كبار ضبّاط أجهزة الأمن السورية إلى القاهرة بناءً على دعوة مصرية، وعقدهم سلسلة لقاءات مع نظرائهم، كان أبرزها اللقاء مع نائب رئيس جهاز الأمن القومي ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء خالد فوزي، ليست الزيارة الأولى لأرفع ضابط أمني سوري إلى القاهرة، إذ تأتي بعد زيارة سريّة (أولى هذا العام) لمملوك إلى العاصمة المصرية قبل نحو ثلاثة أسابيع، والثالثة بعد زيارة قام بها الأخير إلى مصر العام الماضي. ويُعدّ فوزي بمثابة المستشار الأمني الأرفع للسيسي، بكونه نائب رئيس مجلس الأمن القومي الذي يجتمع برئاسة السيسي، على غرار مجلس الأمن القومي الروسي الذي يجتمع برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين.
لا شكّ في أن التعاون الأمني بين البلدين، وملفّات الجماعات الإرهابية المسلحة السورية والمصرية وتنظيم «داعش» الإرهابي والموقوفين المصريين لدى أجهزة الأمن السورية (الجنائيين والإرهابيين)، أخذت الحيّز الأبرز من لقاءات الأمنيين. وتبرز أهمية هذا الملف مع تزايد مستوى العمليات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء، ولا سيما مع وجود معلومات عن انتقال عدد كبير من المقاتلين المصريين، الذين قاتلوا تحت راية «داعش»، إلى شبه جزيرة سيناء خلال الأشهر الماضية، والآن قبل ـ وخلال ـ المعركة في مدينة الموصل العراقية، والمعلومات السورية حول تسليح «داعش»، ما يُحتم رفع مستوى التنسيق الأمني بين البلدين. كذلك ناقش الطرفان ضبط تهريب السّلاح إلى داخل الأراضي السورية، واستعادة الجيش السوري السيطرة على المناطق التي يحتلها «داعش».
ولم تخل الزيارة من النقاش السياسي إذ ناقش الطرفان دعم المبادرة السورية للحلّ السياسي للأزمة، بما في ذلك التعديلات الدستورية وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. كما ناقش الطرفان بحسب مصادر مشاركة في اللقاءات، عودة سوريا إلى الجامعة العربية وذلك بناءً على اقتراح مصري، لكن الجانب السوري اشترط العمل على تعديل ميثاق «الجامعة»، بما لا يسمح بتكرار ما حصل في السابق، ويضمن عدم استمرار هيمنة مجلس التعاون الخليجي على الجامعة العربية. ومن المتوّقع بحسب المصادر، زيارة مصرية مماثلة إلى دمشق خلال الربع الأخير من الشهر الجاري (قد لا تكون علنيّة)، وكذلك رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في كلّ من سوريا ومصر، من دون تحديد سقف زمني، بعد إيفاد مصر منذ فترة ممثّلاً دائماً إلى دمشق. وتشير المصادر إلى عدم «استعجال الطرفين تطوير العلاقات ورفع مستوى التمثيل» وأن «ما جرى التوصّل إليه اليوم جيّد جدّاً ويتطوّر»، لكن مصادر في الخارجية المصرية، أشارت لمراسل «الأخبار» في مصر إلى أن «مصر لم تناقش قرار عودة السفراء بين البلدين التزاماً بقرار الجامعة العربية قطع العلاقات على مستوى السفراء». وأكّدت المصادر أن «استقبال الوفد السوري مرتبط بتوجيهات رئاسية بالعودة لاحتواء جميع الأطراف في نزاعات المنطقة، وخاصة في سوريا واليمن، حيث سيجري استقبال وفد من الحوثيين قريباً».
ويأتي التقارب المصري ــ السوري الأخير، بعد تحوّلات في السياسة الخارجية المصرية، ولا سيّما على صعيد العلاقة مع روسيا والسعودية، وحالة خصومة مستمرة (تصل حد العداء) مع تركيا وقطر. فبالنسبة للقاهرة، لا تقلّ ضرورة مواجهة الدورين التركي والقطري في ليبيا أهمية عن ضرورة مواجهة تمدّد الجماعات الإرهابية المدعومة تركياً، بالمال والسلاح والقوات الخاصة في سوريا، وكفّ يد التخريب القطري عن الشام. كذلك تواكب الخطوة الأخيرة، خطوات مصر الدبلوماسية، ولا سيّما بعد خطاب السيسي في الأمم المتّحدة، ودعم المصريين للاقتراح الروسي الأخير في مجلس الأمن وموقف وزير الخارجية سامح شكري في لقاء لوزان قبل أيام، وطبعاً، المناورات العسكرية المشتركة مع روسيا في البحر المتوسّط التي انطلقت في حزيران العام الماضي وتكرّرت قبل أيام، بعد انقطاع دام عقود.
وعلى الرغم مما يحكى عن توتّر يسود العلاقات المصرية ــ السعودية، إلّا أنه لا يمكن الربط بين التطوّر على مستوى العلاقة المصرية ــ السورية، وسوء علاقة المصريين بالمملكة. ويؤكّد أكثر من مصدر معني أن «السعودية طبعاً تفضّل التصعيد المصري ضدّ سوريا ونظام الرئيس الأسد لا العكس، لكنّ المسؤولين السعوديين يتفهّمون الرؤية المصرية لسوريا ودورها وتأثير موقعها في الأمن القومي المصري والتوازن مع الدورين القطري والتركي، فضلاً عن الهامش الكبير الذي بدأت مصر تستعيده، على خلفية تعويضها عن المساعدة النفطية السعودية، من الهلال النفطي الليبي».




نفط ليبيا بدل نفط «أرامكو»

نجحت قوات الجيش الليبي في أيلول الماضي، الذي يقوده الفريق خليفة حفتر الحليف الليبي لمصر، بالسيطرة على ما يعرف بـ«الهلال النفطي الليبي». وهو منطقة تمتد على طول نحو 250 كيلومترا بين مدينتي سرت وبنغازي، ويحتوي على حوالى 80% من احتياطات النفط والغاز الليبية البالغة نحو 45 مليار برميل وأكثر من 50 تريليون قدم مكعب من الغاز. وتنتج الحقول النفطية في هذه المنطقة حوالى 60% من إنتاج البلاد النفطي وفيها أكبر مجمعات التكرير وموانئ التصدير، مثل ميناء السدرة، وميناء راس لانوف، والزويتينة والبريقة والحريقة. كما أن هذه القوات تسيطر منذ فترة طويلة على عدد من الحقول النفطية في جنوب شرق البلاد، التي تنتج بدورها حوالى ثلث إنتاج لييبا من النفط. وبذلك تكون قوات حفتر قد سيطرت على حوالى 90% من إنتاج ليبيا النفطي. وقد أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في اليوم التالي لسيطرة قوات حفتر على المنطقة أنها ستستأنف تصدير النفط المتوقف منذ عام 2014. وتراوح قدرة ليبيا الإنتاجية من النفط بين 1.4 و1.6 مليون برميل نفط يومياً. وكانت الحكومة المصرية تحصل على حوالى 40% من حاجتها من النفط المستورد من شركة «أرامكو» السعودية، وذلك بعد تعهد السعودية دعم حاجة مصر من النفط خلال السنوات الخمس المقبلة. وبعد إعلان «أرامكو» مطلع هذا الشهر أنها غير قادرة على تغطية حاجة مصر من النفط، أَعلن عدد من المسؤولين الليبيين أنهم سيغطون حاجة مصر من النفط.