ثلاثة متغيرات كبيرة أشعلت تساؤلات الشارع الغزي حول فكرة عودة القيادي المفصول من حركة «فتح» والنائب في المجلس التشريعي محمد دحلان. المتغير الأول هو مشاركة أنصار دحلان وعدد آخر من الشخصيات في مؤتمر عُقد في مدينة العين السخنة المصرية وفتح معبر رفح لخروجهم مع استغلال آلاف العالقين هذه الفرصة للعبور، والمتغير الثاني كان وصول زوجته جليلة «أم الفقراء» إلى غزة، خلال فتح المعبر (نحو ثمانية أيام على مدد متلاحقة) رغم التصعيد الميداني الكبير في مناطق عدة في سيناء.أما المتغير الثالث، فكان إطلاق الأجهزة الأمنية في غزة سراح القيادي الفتحاوي المتهم في قضية قتل خمسة من أعضاء «كتائب القسام ــ حماس»، زكي السكني، ثم مغادرة الأخير إلى القاهرة برفقة الوجهين البارزين في فريق دحلان في غزة، أشرف جمعة وماجد أبو شمالة، فيما كان في استقباله «أبو فادي» بنفسه ومساعده سمير المشهراوي.
وترافق الحدث الأخير مع عودة عدد من المسجونين الفتحاويين في قضايا أمنية أخرى إلى بيوتهم في ما يشبه الإقامة المنزلية، كما راجت شائعات كثيرة حول دور لدحلان في قضية المختطفين الأربعة من «القسام» في مصر، من دون أي تأكيد لذلك.
المتغيرات السابقة مثلت ما يشبه صفقة بين «حماس» التي تسيطر على غزة، ودحلان، رغم التزام الحركة الصمت المطبق، ثم جاء ربط عودة الحجاج السبعة الذين احتجزتهم السلطات المصرية في مطار القاهرة أخيراً، بنتائج «الصفقة» نفسها.
لكنّ التدقيق في التفاصيل التي لا تظهرها «حماس» حتى لا تسجل على نفسها مواقف في الداخل والخارج، يظهر القضية أكثر تعقيداً مما يحلم فيه أنصار دحلان، أي عودته، وربما يكون ما يطرح أكثر تضخيماً من حقيقة الواقع.
وعودة دحلان عن طريق غزة هي فكرة قديمة طرحت منذ بداية «اللجنة الوطنية للتكافل الوطني»، التي شكلتها الفصائل الفلسطينية برئاسة أبو شمالة، وأثارت زوبعة إعلامية كبيرة آنذاك.
عباس سوف يحاول حشد القطريين والأتراك ضد دعم مصر والإمارات لدحلان

في تلك الأيام، قدمت اللجنة مشروع دعم لشهداء الحرب الأخيرة على غزة، بمقدار خمسة آلاف دولار لكل عائلة، ومبلغ آخر وزع على عدد كبير من الجرحى، ثم أعلن توقف المشروع بعد توقف الإمارات عن تقديم الدعم له.
وكانت تلك اللجنة بصدد تقديم مشروع إلى الممول نفسه لدعم مدينة سكنية للأسرى، وهو الآخر لم يرَ النور. وفي وقت لاحق، تقدمت جليلة دحلان بمشروع دعم 50 عريساً وتبني 400 حالة إنجاب في غزة.
بين هذه المعطيات القديمة والجديدة، وإظهار دحلان مقدرته على الطلب من مصر فتح المعبر، تزداد الصورة ضبابية. فإلى جانب استعراض القدرات، هناك شيء آخر في جعبة «أبو فادي» يجري التحضير له، ويتمثل في عقد مؤتمر لفريقه ــ داخل غزة غالباً ــ تحت مسمى «مؤتمر منع خطف فتح»، رداً على «مؤتمر فتح السابع» المزمع عقده نهاية الشهر المقبل، والأخير حتماً يستثني دحلان وفريقه.
ووفق مصادر من مكتب دحلان في القاهرة، فإن المباحثات جارية بصدد تحديد زمان المؤتمر، «لكنها خطوة من المبكر الإعلان عن توقيتها». في المقابل، ترافقت خطوات دحلان مع تصعيد لعناصره في رام الله، الذين عملوا على عقد اجتماع في قاعة نادي شباب الأمعري في المدينة، وفضّته الأجهزة الأمنية للسلطة. وهذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها نواب «فتح» في المجلس التشريعي وأعضاء المجلس الثوري المحسوبين على دحلان في الضفة.
يعلق النائب عن «فتح» في «التشريعي» جمال الطيراوي، أن هدف الاجتماع هو «رفض إقصاء أي من قيادات وكوادر فتح عن المشاركة في المؤتمر السابع». وأضاف في حديث إلى «الأخبار»، أن الأعداد المعلنة للمشاركة في المؤتمر السابع أقل من التي شاركت في «السادس»، ما يعني أن هناك قراراً بإقصاء عدد كبير.
عقب هذا الاجتماع، صادق رئيس السلطة، محمود عباس، على فصل النائب عن «فتح» جهاد طليمة، لوقوفه خلف تنظيم المؤتمر، في وقت تبحث فيه الحركة المصادقة على فصل 17 آخرين.
في هذا الإطار، قال القيادي في «فتح» يحيى رباح، إن قرارات الفصل «ستشمل كل من يخرج عن النظام الداخلي للحركة»، مشيراً إلى أن قرارات أخرى ستصدر بحق من يخالف النظام. كذلك قال عضو اللجنة المركزية عباس زكي، لـ«الأخبار»، إن من صدر بحقهم أحكام لن يتمكنوا من المشاركة، بمن فيهم محمد دحلان.
في السياق نفسه، أفادت مصادر مطلعة بأن محمود عباس، المتجه إلى تركيا حالياً للقاء الرئيس رجب طيب إردوغان، ليس من المخطط خلال زيارته اللاحقة للعاصمة القطرية الدوحة أن يلتقي رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل، على عكس ما صرح به القيادي الفتحاوي عزام الأحمد.
وربطت هذه المصادر زيارة تركيا وقطر بأنها «محاولة من أبو مازن للاستغاثة بقشة القطري والتركي ضد الرجل المدعوم إماراتياً ومصرياً (دحلان)... ويبدو أن القاهرة، التي رعت خطوات دحلان الأخيرة، تريد معاقبة عباس على رفضه المبادرة العربية».
إلى ذلك، قال دحلان خلال لقاء تلفزيوني عرضه تلفزيون «بي بي سي»، يوم أمس، إنه يترك الرد على تصرفات «أبو مازن» إلى الدول العربية (الرباعية العربية) التي قدمت مبادرة لإصلاح الوضع الفتحاوي الداخلي، لافتاً إلى أهمية قوة الحركة بالنسبة إلى «الأمن القومي للدول العربية».