منذ انهيار «اتفاق جنيف» الروسي ــ الأميركي وتعثّر آليات «المجموعة الدولية لدعم سوريا» لضبط ما يجري على الساحتين السياسية والميدانية، بدا جليّاً أن عودة المباحثات لن تأتي دون تغييرات كبيرة في خرائط السيطرة على الأرض. وبعد جولات تصعيد عديدة بين واشنطن وموسكو، تزامنت مع تحشيد غربي واسع ضد الأخيرة على مختلف المنابر الدولية، رمى الجانب الروسي بورقة «الهدنة» المؤقتة كمبادرة لفتح المجال أمام إعادة بحث القضايا المعلقة منذ أول «هدنة» شهدتها الحرب السورية، وعلى رأسها قضية «فصل المعتدلين عن الإرهابيين». ومع انتهاء المبادرة الروسية دون نتائج على الأرض، تعود الحرارة إلى جبهات الميدان وخاصة في حلب ومحيطها، التي ستزداد الأسئلة عن مآلاتها، مع دخول القوات التركية من بوابة الريف الشمالي إلى المشهد.
تحدثت مصادر معارضة عن دعم جوي سوري لـ«قسد»
فبينما تتطور معارك الريف الجنوبي، على وقع التمديد الروسي لوقف الغارات الجنوبية في المدينة وطوقها، دخلت الاشتباكات التي تخوضها القوات التركية شمال غرب مدينة الباب مرحلة جديدة، مع اقترابها من مناطق سيطرة الجيش السوري. وفي ضوء إصرار أنقرة على التوجه نحو الباب وقطع طريق الأكراد مع «قوات سوريا الديموقراطية»، قد تشهد تلك الجبهة احتكاكاً مباشراً بين قوات «درع الفرات» والجيش السوري. وقد يبدو لافتاً ما تحدثت عنه مصادر معارضة مقربة من «درع الفرات» عن دعم جوي سوري لـ«قسد» في معارك تل المضيق التي تبعد نحو 10 كيلومترات شمال مناطق سيطرة الجيش في ريف حلب الشمالي. وفيما لم يصدر أي تعليق من دمشق أو من الجانب الكردي، تبقى احتمالات التصعيد في الريف الغربي لمدينة الباب قائمة، في ضوء تأكيد الجيش السوري أنه سيتعامل مع «الاعتداءات التركية» بجميع الوسائل الممكنة.
وبينما أعلنت موسكو عن التزام دمشق وقف الغارات الجوية في حلب ومحيطها، صدّ الجيش السوري وحلفاؤه هجوماً للمجموعات المسلحة على كتيبة الدفاع الجوي وتلة بازو، محافظاً على جميع النقاط التي كسبها في خلال اليومين الماضيين. وكان رئيس إدارة العمليات في هيئة أركان القوات المسلحة الروسية سيرغي رودسكوي، قد أكّد «التعليق الكامل لتحليقات طائرات القوات الروسية والسورية في نطاق 10 كيلومترات حول مدينة حلب، وسيُمدَّد حظر الغارات في محيط هذه المدينة». وأشار إلى استعداد موسكو لإعلان «هدن إنسانية جديدة استجابة لأول طلب ــ من قبل المنظمات الإنسانية ــ في حال وجود معلومات مؤكدة عن إجراء جميع التحضيرات الضرورية لإجلاء المرضى والجرحى والسكان المدنيين». وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن القوات الروسية والسورية لم تشنّ أي ضربات جوية على أهداف في حلب، في خلال الأيام السبعة الأخيرة. وأوضح بيان للمتحدث باسم الوزارة إيغور كوناشينكوف، أن ستة معابر إنسانية من الأحياء الشرقية للمدينة فتحت في إطار وقف إطلاق النار.
على المستوى السياسي، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه أبلغ في اتصال هاتفي سابق، نظيره الأميركي جون كيري، أن الهجوم الذي تشنه القوات السورية بدعم روسي لتحرير حلب من الإرهابيين، مطابق لما تقوم به القوات العراقية في الموصل بدعم أميركي. وقال في خلال مشاركته في منتدى بموسكو، إن «التحالف الأميركي يحذر سكان الموصل ويطلب منهم المغادرة، وهذا بالضبط ما يجري في حلب، حيث أُعدَّت معابر لمغادرة المدينة». وأكد أن «أهم شرط للتوصل إلى تسوية، هو الفصل الكامل والفوري بين ما يسمى المعارضة السورية المعتدلة، وتنظيمي (داعش) و(جبهة النصرة) وأمثالهما. شركاؤنا الأميركيون وعدونا بذلك قبل 8 أشهر، ولم يحدث شيء حتى الآن».
ومن جهة أخرى، نقلت وكالة «تاس» عن مصدر سوري قوله إن المستشارة الإعلامية في الرئاسة السورية بثينة شعبان، قد تزور روسيا في خلال الأسبوع الجاري، وذلك بعد الإعلان عن زيارة يجريها وزير الخارجية وليد المعلم، بعد غد الجمعة، إلى موسكو.
وعلى صعيد آخر، أعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي يانس ستولتنبرغ، عن قلقه من إمكانية استخدام روسيا لسفنها الحربية التي عبرت بحر المانش قبل أيام، لشنّ غارات في سوريا. ورأى في خلال مؤتمر صحافي عقده أمس، عشية انعقاد اجتماع وزراء دفاع دول «الأطلسي» في بروكسل، أن روسيا لديها الحق في استخدام المياه الدولية، غير أن «المختلف هذه المرة في السفن، هو احتمال استخدامها من أجل زيادة قدراتها العسكرية في سوريا». وشدد على أن طائرات «أواكس» التابعة لـ«الأطلسي»، أصبحت تدعم عمليات «التحالف الدولي» مباشرةً بعد قيامها بمهمات استطلاعية شملت الأجواء السورية والعراقية للمرة الأولى، يوم الخميس الماضي.