ثلاثة أعضاء كنيست، وضباط كبار في الجيش الإسرائيلي ــ من ضمنهم عضو في هيئة الأركان العامة ــ ومهندسون في مشاريع سرية كمشروع صناعة وتطوير طائرات من نوع «هلافي» ودبابات «ميركافا»، كذلك رجال استخبارات في مواقع حساسة جداً، هؤلاء هم حصيلة ما كشفته مجموعة من الوثائق السرية التي وصلت صحيفة إلى «يديعوت أحرونوت» العبرية من أرشيف استخبارات الاتحاد السوفياتي «كا جي بي»، الذي هربه ضابط الاستخبارات السابق فاسيلي متروخين إلى بريطانيا، كما لفتت الصحيفة إلى أنها ستنشر يوم غدٍ تقريراً مفصلاً بالأسماء والمعلومات.الوثائق السرية جمعّها متروخين على مدار 20 عاماً خلال عمله داخل أرشيف الجهاز، ووضعها في زجاجات حليب كان قد دفنها بجوار منزله الواقع في إحدى ضواحي موسكو، ونجح في تسريبها لاحقاً إلى بريطانيا بعد هربه إلى هناك. ووفق الصحيفة، صرح متروخين قبل موته بأن الدافع وراء تسريبه للوثائق أنه اطلع خلال عمله على «ممارسات بشعة» للسلطات السوفياتية سابقاً.
تظهر الوثائق مدى
إخفاق الاستخبارات الإسرائيلية مقابل السوفياتية

في بداية التسعينيات، وبعدما كان متروخين قد نجح في فتح قنوات تواصل مع الاستخبارات البريطانية، هرب وعائلته ومعه الوثائق الحساسة إلى بريطانيا على متن طائرة في عملية سرية. ولفتت «يديعوت» إلى أن الوثائق التي جمّعها أحدثت زلزالاً لأجهزة الاستخبارات التابعة لدول عدّة في العالم، فقد اعتقل عدد من الجواسيس في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، وغيرها. كذلك تلقت الاستخبارات السوفياتية أقسى الضربات في تاريخها، حيث كشفت «زجاجات الحليب» عن أسماء آلاف الجواسيس المنتشرين حول العالم، وظلت هذه «الضربة» واحدة من أكبر عمليات تسريب المعلومات في العالم حتى يوم تسريب عميل «سي أي إيه» إدوارد سنودن، وثائق «ويكيليكس» الشهيرة.
هذه الوثائق لم ترَ النور من قبل، وتتضمن معلومات عن عمليات «كا جي بي» الواسعة في إسرائيل، وتبين كما استخلصه عاملو الترجمة في الصحيفة مدى إخفاق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في مقابل نجاح نظيرتها السوفياتية.
تشير إحدى الوثائق إلى أن الروس سعوا إبان الخمسينيات إلى اختراق الأحزاب السياسية الإسرائيلية، فأطلقوا عملية واسعة النطاق سميت «ترست»، وتبين أنها حققت نجاحاً مذهلاً لأنهم استطاعوا تجنيد ثلاثة أعضاء في الكنيست من «مبام»، أحد أكبر الأحزاب الاسرائيلية آنذاك. واحد من الجواسيس المذكورين عُرف في وثائق متروخين بالكود السري «غرانت»، إلى جانب إشارة إلى أنه «يعيش في مستوطنة شوفال، بالقرب من مدينة بئر السبع».
وفق الصحيفة فإن «غرانت» هو عضو الكنيست إلعيزر غرانوت، زعيم «مبام» الذي شغل في منصب عضو في لجنة الأمن والخارجية الإسرائيلية، وقد جنده ضابط «كا جي بي»، يوري كوتوف، في المرحلة التي سبقت «حرب الأيام الستة» (النكسة)، ثم قُطعت العلاقة بينهما مع إخلاء السفارات في 1967.
تعليقاً على هذه المعلومات، قال نجل إلعيزر، دان غرانوت، إنه «عندما كان طفلاً حضر بعض الاجتماعات الليلية التي وصل إليها كروتوف من خلال سيارة دبلوماسية خاصة كانت تقله»، وذكر أنه «كان يحضر معه فودكا ذات جودة عالية ونقانق مجريّة الصنع»، ومع ذلك، أضاف أن «والده لم يكن يعرف معلومات سرية، وإن كان يعرف، فلن يدلي بها، لأنه ليس جاسوساً».
لم تكتفِ الاستخبارات السوفياتية «بزرع البذور» داخل الحقل السياسي الإسرائيلي فقط، بل تشير وثائق متروخين إلى أن «كا جي بي» نجحت في تجنيد العميل «بوكر» الذي كان مهندساً كبيراً في احد المشاريع السرية المهمة، كما نجح في تجنيد العميل «جيمي» الذي عمل في اختصاصٍ رفيع المستوى في صناعة الطائرات العسكرية، وتحديداً طائرة «هلافي». كذلك جند عميلاً آخر اشتغل في مشروع تطوير دبابة «الميركافا»، وسلم مشغليه تقارير عن المراحل التي وصل إليها الإسرائيليون.
قائمة الجواسيس الإسرائيليين لا تنتهي عند هذا الحد، بل تقول الصحيفة إنه في تقرير الغد ستنشر أسماء رائدة في مجال الاتصالات والإعلام وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وفي مقدمهم عميل يحمل الكود «ملينكا»، وكان قد عمل في قسم مكافحة التجسس في «الشاباك».
لكن «الصدمة» الكبرى كانت تجنيد أحد كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي، الذي كان أيضاً عضواً في هيئة الأركان العامة. وفي 1993، عندما وصلت وثائق متروخين إلى بريطانيا، أطْلعت الأخيرة إسرائيل على اسمه، ولمّا وصل الموضوع إلى «الشاباك»، لم يستطع الجهاز إعلان ذلك خشية من إحداث «زلزال» في الأوساط الإسرائيلية، وكذلك كي لا يفضح إخفاقه وأوجه القصور في عمله. أيضاً، لم تجر محاكمة العميل المذكور «لكون حالته الصحية لم تكن مرضية»، فيما نقلت الصحيفة نفسها عن أحد كبار ضباط «الشاباك» قوله، إنه «بعد مرور فترة قصيرة على كشف اسم الضابط... توفي».