لا يمكن إنكار أن الخلافات المصرية ــ السعودية الأخيرة في حكم المجمدة الآن، خاصة أن إمدادات شركة «أرامكو» السعودية لم تتوقف كلياً. كذلك، لم تلغ الاتفاقية معها، التي يفترض أن تستمر خمس سنوات، ولم يكد يمر عامها الأول حتى بدأ الخلاف. وعلى الأقل، لن يحدث شيء كبير إلا بعد أن تستعد القاهرة للسيناريو الأسوأ من الرياض، خاصة مع توتر العلاقة على المستوى الشخصي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووليّ وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي نُقل عنه رفضه مواقف السيسي أخيراً.رغم بقاء هذا الخلاف في «دوائر الكبار»، فإن الأزمة الحقيقية التي باتت تواجه الوساطة الإماراتية للحل، عن طريق ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، تواجه إشكالية مرتبطة بالصدام غير المباشر بين السيسي وابن سلمان، الذي صار عقبة لوالده، رغم أن الملك سلمان حاول تجاوزها عبر كبار مستشاريه، الذين طالبوا وليّ وليّ العهد، بالعدول عن مواقفه الغاضبة من القاهرة.
الرهان المصري الحالي قائم على أوامر سلمان ووساطة الإمارات

تكشف مصادر رئاسية في مصر، في حديث إلى «الأخبار»، عن أن تعنت ابن سلمان هو ما يقف عائقاً في سبيل عودة العلاقات إلى طبيعتها، بغض النظر عن استمرار المساعدات الاقتصادية من عدمه في المستقبل القريب، ولا سيما مع مماطلة مسؤولي السعودية في توفير اقتراض جديد لمصر.
لا يبدو في الأفق أي حل للتوتر، رغم الحديث عن توقعات بزيارة وشيكة لوفد سعودي أو إجراء اتصال على المستوى الرئاسي بين القصرين، كذلك يحاول السفير السعودي لدى القاهرة، أحمد القطان، احتواء الأزمة والتواصل مع الرئاسة المصرية يومياً.
اللافت أنه مع وصول أخبار توتر العلاقات إلى وسائل الإعلام، لم يُجرِ مسؤولو البلدين أي اتصالات معلنة، وهو ما يؤكد عمق الخلاف هذه المرة، وأنه مرتبط بالموقف المصري المعارض لما يحدث في اليمن، فضلاً عن الخلاف على طريقة التعامل مع الأزمة السورية، على اعتبار أن السيسي حتى لو رضخ أمام الدعم الاقتصادي السعودي سيكون قد مسّ بمعطيات الأمن القومي لبلده.
على صعيد مقابل، لا تزال القاهرة تبحث عن بديل للنفط السعودي، وهو ما دفع وزير البترول المصري، طارق الملا، إلى زيارة العراق والأردن للبحث عن إمدادات يمكن الحصول عليها، مع دراسة إمكانية إنشاء خطوط لإمداد القاهرة بالنفط، علماً بأن المقترح الأخير هو أصلاً اتفاق جرى التوصل إليه في ظل الحكومة السابقة، ولم ينفذ في وقته.
في الوقت نفسه، لا يزال الملا يؤكد أن الاتفاقية الموقعة مع «أرامكو» لم تلغ، مع أن حديثه لا يتجاوز حتى الآن حدود القول، خاصة أن الشركة السعودية لم تبلغ الجانب المصري موعد إرسال إمدادات شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المتفق عليها حتى الآن، وهو ما قد يسبب ارتباكاً وأزمة وقود كبيرة في مصر، الأمر الذي دفع الحكومة إلى محاولة الاحتواء باستخدام الاحتياطي الاستراتيجي.
والمؤكد أن القاهرة في أزمة حقيقية مرتبطة بتخوفها من العجز عن الوفاء باحتياجات السوق من المواد البترولية، إذا لم تلتزم «أرامكو» الخاضعة بصورة كبيرة لابن سلمان، إرسال الإمدادات للشهر الثاني على التوالي. رغم ذلك، يستبعد مسؤولون في وزارة البترول المصرية، في حديث إلى «الأخبار» هذا السيناريو، مؤكدين أنه رغم صعوبة الموقف المتوقع، سيكون للبعد السياسي القرار الأخير بتوافر الإمدادات أو اللجوء إلى «إحدى الدول الخليجية الشقيقة لتوفير الدعم البديل». لكنهم أيضاً لم يخفوا حقيقة أن الموازنة المصرية لا تتحمل شراء احتياجات السوق من الأسواق العالمية مرة أخرى مثلما حدث الشهر الجاري.