احتدم الكباش السياسي الحزبي داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي خلال الموافقة في قراءة تمهيدية على قانون «تسوية» البؤر الاستيطانية، ورفض المحكمة العليا طلب تأجيل اخلاء مستوطنة «عمونة»، المقامة على أرض فلسطينية خاصة. وهو ما وضع الحكومة، ورئيسها بنيامين نتنياهو، أمام تحدي تنفيذ قرار المحكمة.وفي السياق نفسه، تأتي دعوة وزير الأمن الاسرائيلي افيغدور ليبرمان، إلى العمل على التوصل الى صفقة مع ادارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، يجري بموجبها تجميد البناء في المستوطنات المعزولة في الضفة الغريبة، في مقابل أن تعترف الولايات المتحدة بالكتل الاستيطانية والسماح بالبناء فيها. ولفت ليبرمان الى ان مستشاري ترامب نقلوا في الايام الاخيرة رسائل الى اسرائيل تطلب الامتناع عن فرض وقائع ميدانية قبل توليه منصبه.
يدعو ليبرمان
إلى التوصل لصفقة مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب

تأتي دعوة ليبرمان في ظل تبلور تقدير في تل ابيب يرى في وصول ترامب الى البيت الابيض فرصة تسمح بنسج تفاهمات تلبي طموحات اليمين الاسرائيلي لجهة شرعنة الاستيطان وفرض المبادئ الاسرائيلية في المفاوضات مع السلطة. وفي مقابل من يدعو إلى انتظار تبلور التوجهات النهائية للرئيس ترامب، هناك أيضا من يقول إنه لو نفذ ترامب ومستشاروه نصف ما قالوه فإن هناك فرصاً مفتوحة امام عملية الاستيطان ستنكشف تباعا في الاشهر المقبلة، ولا يبعد أن تتحول الادارة الاميركية الجديدة، برئاسة ترامب، الى فرصة لتحول تاريخي في الموقف الاميركي. ومن اجل ذلك يكثر الحديث عن ضرورة عدم تفويت الفرصة، من خلال حسن الاداء واقامة اتصالات بعيدة عن وسائل الاعلام. ولذلك، طلب نتنياهو من وزرائه عدم الادلاء بأي مواقف تتصل بالرئيس ترامب وتوجهاته.
وعلى خط مواز، يبدو أن هناك حرصا لدى جهات سياسية في تل ابيب على عدم مواصلة الشجار مع الرئيس باراك اوباما في الفترة الباقية من حكمه، وعدم منحه الذريعة والدافع للمبادرة الى خطوات تتخوف منها اسرائيل في الساحة الدولية.
مع ذلك، كشفت قضية «عمونة» عن أكثر من رسالة. اذ تنطوي محاولة شرعنة البؤر الاستيطانية، عن سابقة لم تبادر اليها أي من الحكومات الاسرائيلية الماضية. لكون الحكومة الحالية تجاوزت التكتيك الرسمي المتبع في التمييز بين مستوطنات قانونية واخرى غير قانونية، بهدف اضفاء طابع شرعي وقانوني على مبدأ الاستيطان وحصر الاشكاليات في البؤر الاستيطانية.
وما يفاقم خطورة مشروع القانون الحالي، أنه يشرعن استيلاء مستوطنين على اراضٍ فلسطينية خاصة. والبديل الذي ستقدمه الحكومة لاصحاب الارض الذين يثبتون ملكيتهم، وفقا لقانون الاحتلال، تعويض مادي. وبعبارة أخرى، تجري قوننة سلب الفلسطيني ما تبقى من ممتلكات له، وبما لا يتوافق مع القانون الاسرائيلي.
مع أن خطوة كهذه، من الارجح أن يجري اسقاطها عبر المحكمة العليا، التي رفضت طلب تأجيل اخلاء سكان مستوطنة «عمونة»، لكن ما يجري يسلط الضوء على موقع الاستيطان في سلم اولويات الحكومة الاسرائيلية والوجدان العام. حتى بات من الصعب على الحكومة أن تنفذ ما سنَّه الاحتلال نفسه من قوانين، واضطرت الى تبييض عمليات الاستيلاء الاستيطاني، من خلال شرعنتها.
ايضا، يكشف الاشتباك السياسي عن حقيقة أن التنافس الحزبي والسياسي بين الزعامات الذي لا يوفر أي قضية للابتزاز المتبادل بما فيها الاستيطان. ولا يتورع عن اللجوء الى اداة التهديد باستقرار الحكومة واستمرارها. في كل الاحوال، جرت الموافقة على القانون بقراءة تمهيدية في الكنيست، وهو ما قد يبقيه اسير الأدراج باستثناء الظرف السياسي الملائم. وهكذا يكون كل طرف قد «أدلى» باستعراضاته التي تؤشر الى خلفياته الايديولوجية وايضا الى تكتيكاته التنافسية ضمن المعسكر اليميني نفسه. وضمن هذا الاطار، تندرج المواجهة الكلامية بين نتنياهو ورئيس البيت اليهودي نفتالي بينيت، الذي يرفع راية الدفاع عن المستوطنين، حيث وصف نتنياهو الاخير بالقول أنه «صبياني وعديم المسؤولية، لن أضيع وقتي على كاتب تعليقات». هذا مع الاشارة الى أن نتنياهو لا يعارض القانون من حيث المبدأ وانما ما يطلبه تأجيله الى حين خروج الرئيس اوباما، من المشهد كي لا يواجه معارضة قوية من الادارة الاميركية الحالية.