القاهرة | برغم الإخفاقات في ملفات كثيرة خلال العام الأول من حكم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، فإن السياسة الخارجية شهدت طفرة كبيرة اعتمد فيها على التوازن في العلاقات بين الدول واستعادة الدور المصري في المنطقة العربية، برغم بعض الملاحظات على الأداء الرئاسي خلال بعض المواقف، إذ رأى كثيرون أن تلك المواقف لا تليق بمكانة الرئيس المصري، على غرار ما حدث في استقباله الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز في المطار، وصعود السيسي لطائرة الملك ولقائه هناك، لكن تلك الملاحظات لم تصل إلى الحد الذي كان عليه أداء محمد مرسي قبل عزله عن المنصب منذ نحو عامين.
وقد تسلم السيسي السلطة من الرئيس الانتقالي عدلي منصور والسياسة الخارجية للقاهرة تواجه العديد من المشكلات أبرزها صورة النظام أمام البرلمانات الأوروبية التي شكل العنف المفرط واستخدام القوة ضد أنصار جماعة «الإخوان المسلمين» إشكالية رئيسية فيها. والمشكلة لم تكن في أوروبا فحسب، بل امتدت إلى أفريقيا أيضاً التي علقت عضوية مصر في الاتحاد الافريقي بعد عزل مرسي، وظلت العضوية معلقة لنحو11 شهرا لم تشارك خلالها الخارجية المصرية في أي اجتماعات، وهي المشكلة التي جرى التغلب عليها سريعاً بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، إذ رفع الاتحاد الافريقي قرار تعليق عضوية مصر ووجه دعوة إلى السيسي من أجل المشاركة في القمة الثالثة والعشرين التي استضافتها مدينة مالابو، عاصمة غينيا الاستوائية.
تسلم «الجنرال» الرئاسة
من منصور والبلاد في
«وضع حرج» خارجياً

على صعيد التسليح، اتبع «الجنرال» سياسة التنوع في مصادر الأسلحة فتعاقد على شراء أسلحة روسية، وزار عسكريون مصريون موسكو أكثر من مرة خلال العام الأول من حكمه، فيما تعاقد على صفقة لشراء 24 طائرة فرنسية «رافال»، وهي الصفقة التي تعدّ من أكبر صفقات العسكر.
كذلك أعادت زيارة السيسي إلى العاصمة الصينية بكين عددا من الصفقات المعطلة بين البلدين منذ مدة طويلة، بالإضافة إلى دراسة الاستفادة من التجارب الصينية المختلفة التي جاء في مقدمتها وضع ضوابط مقيدة للتعليم الجامعي المجاني، من بينها نسبة النجاح ورسوب الطالب، فيما كان يفترض أن يزور الرئيس الصيني القاهرة في نيسان الماضي لكن الزيارة تأجلت حتى إشعار آخر.

«الجنرال» و«القيصر»

التقارب المصري ــ الروسي بدأ فعلياً قبيل وصول السيسي إلى الرئاسة، وتحديداً خلال توليه وزارة الدفاع وزيارته برفقة وزير الخارجية السابق سامح شكري إلى روسيا من أجل إعادة العلاقات العسكرية والسياسية بين القاهرة وموسكو التي شهدت جموداً لمدة طويلة أنهاه الرئيس بزيارة إلى سوشي، التقى فيها الرئيس فلاديمر بوتين، قبل أن يزور بوتين القاهرة في شباط الماضي، ويوجه دعوة إلى السيسي من أجل المشاركة في احتفالات عيد النصر الشهر الماضي، وهي الدعوة التي استجاب لها ليكون أول رئيس مصري يزور روسيا مرتين في أقل من عام.
وهذا التقارب لم يكن في المجالات العسكرية التي وقعت فيها اتفاقات عديدة لم تكشف غالبيتها إعلامياً فقط، ولكنه امتد أيضا إلى زيادة الاستثمارات الروسية في مصر والاعتماد على الدب القطبي لتنفيذ المشروع النووي المصري للأغراض السلمية وخاصة توليد الطاقة، والمقرر إنشاؤه في مدينة الضبعة المصرية، وقد جرى اختيار شركات روسية لتنفيذه بالأمر المباشر من رئاسة الجمهورية. ومن الصفقات التي أعلن عنها ــ على استحياء ــ حصول القاهرة على طائرات «ميغ» الروسية المتطورة، وهي الصفقة التي أُبرمت بين البلدين دون كشف تفاصيلها كاملة، علماً بأن المصادر المصرية أعلنت تسلم الطائرات الروسية على دفعات.
وبالعموم، فإن السيسي حرص في العام الأول على حضور غالبية المحافل الدولية التي تجمع قادة العالم، فجاءت مشاركته الأولى في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيوريوك خلال أيلول الماضي، حيث التقى الرئيس الفرنسي الذي دعاه إلى زيارة باريس لاحقاً، بالإضافة إلى لقاء ثنائي جمعه مع الرئيس الأميركي، وجرى ترتيبه في اللحظات الأخيرة برغم تحفظ عدد من المسئولين الأميركيين عليه، كما شملت تلك الزيارة عدة لقاءات مع رئيسة تشيلي، وملك الأردن ــ الذي زار مصر مرتين للقاء السيسي ــ، والرئيس الموريتاني، ورئيس وزراء اليابان، ورئيس وزراء الكويت، وكذلك شارك السيسي في عدة لقاءات دولية أخرى منها منتدى دافوس الذي عقد في الأردن الشهر الماضي، بالإضافة إلى قمة الطاقة التي استضافتها الإمارات في بداية العام.

مصالحة عربية

لعل أكثر ما برز في العلاقات الخارجية للرئيس المصري هو تواصله القوي مع دول الخليج التي ساندته منذ إعلان إطاحة نظام «الإخوان المسلمين»، إذ استمرت مساندة الخليج السياسية والاقتصادية بتقديم أكثر من 20 مليار دولار ما بين مساعدات واستثمارات وودائع خلال العام الأول من حكم السيسي، وفي الوقت نفسه شهدت العلاقات المصرية ــ السعودية، والمصرية ــ القطرية تحولات جذرية.
ففي ملف العلاقات بالسعودية، فإن التأييد المطلق للسيسي خلال حكم الملك عبد الله ومعارضة «الإخوان» وتأكيد أهمية استئصالهم من المجتمع المصري لم تعد ترضي النظام الجديد في ظل التوجهات المختلفة للملك سلمان الذي نصّب في كانون الثاني الماضي. وجاء التحول في الموقف السعودي مرتبطاً بترتيبات النظام الجديد في الرياض، وهو ما ظهر في «فتور» العلاقات المصرية ــ السعودية بوضوح خلال الشهور الماضية رغم محاولات إظهار عكس ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة.
على مستوى المصالحة مع قطر، فإن بداية هذه المصالحة دشنت بوساطة سعودية صارمة تضمنت اتخاذ قطر عدة إجراءات في مقدمتها إغلاق قناة «الجزيرة مباشر مصر»، ووقف الهجوم على السياسة المصرية خارجياً، وهو ما انعكس خلال الاجتماع الدوري لمراجعة سجل مصر لحقوق الإنسان في جنيف، إذ لم يصدر أي هجوم من مندوب قطر، فيما زار أمير قطر تميم بن حمد القاهرة للمشاركة في القمة العربية، التي استضافتها شرم الشيخ نهاية آذار الماضي.
التقارب مع روسيا بدأ
حينما كان الرجل وزيرا للدفاع وزاد في رئاسته

ويمكن القول إن الوفاة المفاجئة لعبد الله أثرت في علاقة القاهرة بالرياض، وبالتبعية على العلاقة مع الدوحة التي أتمت المصالحة قبل أسابيع من وفاة عبد الله، لذا فإن القدر وضع السيسي في موقف صعب بسبب تغير سياسات أهم الدول الحليفة له في المنطقة اتجاه عدة ملفات، منها موضوع اليمن الذي تشن السعودية عليه حربا منذ أكثر من شهرين، إذ ظهر تباين في وجهات النظر في القضية اليمنية بين البلدين، فالقاهرة تنظر إلى ضرورة إجراء مفاوضات مع الحوثيين قبل الدخول في معركة طويلة، وهو ما أغضب الرياض وجعلها تنفذ العمليات العسكرية في اليمن دون تنسيق كامل مع القاهرةـ التي أعلنت استعدادها للتحرك العسكري بقوات برية إذا تطلب الأمر، وتحديدا لحماية أمن الرياض والتأكيد المصري المتكرر بشأن أمن الخليج.

ليبيا: دعم الشرعية وفشل القرار

تجنب السيسي حتى الآن الدخول في أي حروب خارجية، فبرغم إعلانه المشاركة في الحرب على تنظيم «داعش»، فإنه لم يعلن مشاركة الطائرات المصرية في غارات داخل أماكن وجود التنظيم في سوريا والعراق، ولكن الجيش المصري أعلن شن غارات جوية داخل الأراضي الليبية بعد ذبح «داعش» 21 قبطياً مصرياً هناك، ثم جاء إخفاق القاهرة في الحصول على موافقة دولية بالتدخل في ليبيا ضمن تحالف دولي ليوقف الغارات في العمق الليبي، برغم ترحيب الحكومة الليبية بتدمير مخازن سلاح تمتلكها «داعش»، وظلت المساعدة المصرية مقتصرة على تدريب ضباط وجنود ليبيين والمساعدة على توفير الأسلحة، مع استضافة لقاءات قبلية ليبية.

سوريا وخريطة أكثر وضوحاً

برغم أن العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة ودمشق لم تعد إلى سابق عهدها، فإن عبد الفتاح السيسي حرص خلال عامه الأول في الحكم على تأكيد وحدة الأراضي السورية والتوصل إلى نقاط تفاهم بين النظام والمعارضة التي رعت الخارجية المصرية عدة لقاءات لها في القاهرة من أجل ترتيب أجندتها وتوحيد مطالبها، كما ظهر التشديد المصري على أنه لا مطالبة بمغادرة الرئيس السوري بشار الأسد السلطة.

«القدس الشرقية»

لم تتحرك القاهرة بقوة في ملف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، بناء على «جمود» العلاقات المصرية ــ الإسرائيلية الرسمية وتوقف العمل في سفارة تل أبيب لدى القاهرة، وهو الأمر الذي ترجم عملياً بأن أي مسؤول إسرائيلي لم يزر القاهرة خلال السنة الأولى، عدا بعض الوفود العسكرية والزيارات المتبادلة لضباط الاستخبارات، علماً بأن ذروة الاتصالات جاءت خلال الوساطة المصرية لوقف العدوان على غزة.
أما بشأن علاقة القاهرة بـ«حماس»، فإنها شهدت شدا وجذبا كبيرين، بين الاتهامات التي وجهت إلى عدد من قادتها بالتواطؤ والإضرار بالمصالح المصرية وتمويل العمليات التي تستهدف رجال الجيش والشرطة، وجلوس عدد من قادة الحركة على مائدة المفاوضات غير المباشرة التي قادتها القاهرة مع إسرائيل، كما شمل الشد والجذب حكماً قضائياً باعتبار «حماس» جماعة إرهابية جرى إلغاؤه في وقت لاحق بطعن من الحكومة، وهو الطعن الذي جاء بقرار سيادي واضح. وبشأن قضايا الوضع النهائي العالقة، فقد أظهر السيسي تراجعاً جزئياً عنها بعدما أعلن كون القدس الشرقية، لا القدس كاملة، عاصمة لدولة فلسطين، وهو التغير الذي حافظ عليه منذ برنامجه الانتخابي حتى الآن، ولكنه في الوقت نفسه أخفق في استصدار قرار من مجلس الأمن بنزع السلاح النووي من الشرق الأوسط وجعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية، في إشارة إلى إسرائيل، وهو المطلب الذي عارضته الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا.

تحالف لمواجهة تركيا

لعل الموقف المتصلب في السياسة الخارجية المصرية ولم يبد فيه أي تنازل هو اتجاه تركيا التي ترى القاهرة أنها مستمرة في مهاجمة السيسي خلال المحافل الدولية للدفاع عن محمد مرسي، ما دفع السيسي إلى تكوين تحالف مع قبرص واليونان لمواجهة التحركات التركية في استحصال الغاز الطبيعي من أعالي البحار، بالإضافة إلى تكوين تحالف دولي بين القاهرة وأعداء أنقرة، علماً بأن زيارات متبادلة بين السيسي ورؤساء قبرص واليونان جرت خلال العام الأول لحكم الرئيس المصري، قبيل الجولة الأخيرة له في ألمانيا.




العودة إلى القارة السمراء

شهدت العلاقات بين القاهرة ومختلف البلاد الأفريقية نشاطا ملحوظا خلال العام الأول لحكم عبد الفتاح السيسي، إذ لم يقتصر الأمر على زيارات الرجل إلى عدد من هذه البلاد، مع أنها كانت زيارات مهمة، وخاصة تلك التي جرت في العاصمة الإثيوبية التي زارها مرتين: الأولى لحضور قمة افريقية، والثانية لتوقيع اتفاقية تجمع بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا لضمان الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل والتشديد على عدم إضرار سد النهضة الذي بنته إثيوبيا بحصة مصر وخاصة مع السعة الكبيرة للسد الإثيوبي التي سيستغرق امتلاؤها بالمياه خمس سنوات يحذر الخبراء المصريين من كونها أعوام نقص حاد في المياه الواردة من دول المنبع. أيضا، ساهم رئيس الحكومة إبراهيم محلب في صياغة هذه السياسة بزيارة عدة دول أفريقية للاتفاق على مشروعات مختلفة، فيما يجري العمل على قدم وساق من أجل إنهاء طريق القاهرة ــ كيب تاون الذي يتوقع أن يسهم في زيادة حركة التجارة البرية، فضلاً عن فتح معبر قسطنيل بين مصر والسودان، ومن شأنه هو الآخر زيادة حركة التبادل التجاري بين البلدين.