غزة | يبدو أن قرار الأجهزة الأمنية التابعة لحركة «حماس» بالإفراج عن عدد من السلفيين، كانت قد اعتقلتهم في الأيام السابقة على خلفية التفجيرات الأخيرة، أكبر من فكرة الرضوخ للتهديد؛ فالحركة من جهة لا شك أنها تريد المحافظة على الهدوء الداخلي، إضافة إلى الهدنة مع الاحتلال، ولكن مصادر عديدة توضح أن «تفاهمات» عقدت مع الجماعات المتشددة جاءت نتاج لقاءات طويلة.
«داعش غزة» أثبتت أن لها تأثيراً في الميدان، فهي لعبت على معادلة أن ما لم تحققه بالتفجيرات قرب المراكز الأمنية ومحاولة استهداف بعض الشخصيات يمكن أن تقطف ثماره ببضعة صواريخ تسقط على الأراضي المحتلة وتستدعي رداً إسرائيلياً يحرج «حماس» وخصوصاً، وباقي الفصائل عموماً، وهو ما يعني بلغة الفصائل «لي ذراع» لا يمكن التخلص منه بسهولة، كما أن أسلوباً جديداً بدأت تلك الجماعات، التي لم تعلن بيعتها بعد لـ«أبو بكر البغدادي» وظلت على مسمى «أنصار الدولة الإسلامية في بيت المقدس»، تقلق «حماس» به.
هددت المجموعات
السلفية بنشر أسماء «جواسيس حماس داخل الفصائل»

فعلى هاشتاغ «#غزوة_الشهيد_يونس_حنر_الالكترونية»، هددت سرية الشيخ عمر حديد ــ عراقي قُتل في الفلوجة ــ بنشر أسماء «الجواسيس الذين زرعتهم حماس داخل الفصائل الفلسطينية»، وعرضت أحد الكشوف لجهاز الأمن الداخلي التابع للحركة وفيه «أسماء المصادر البشرية داخل حركة الجهاد الإسلامي»، لكنها أخفت الأسماء الكاملة لأولئك مع إمهال «حماس» 48 ساعة للإفراج عن المعتقلين السلفيين، وهو ما جرى بالفعل، إذ أصدرت المجموعة السلفية تأجيلها نشر الأسماء بعد علمها بـ«نية حماس الإفراج عن المعتقلين السلفيين تباعاً».
في الدلالات الأولى لهذه الطرق أن ثمة «عقلاً جديداً» يعمل ويعرف من أين «تُؤكل الكتف»، وهو لا شك كما يونس الحنر الذي خرج من صلب «كتائب القسام»، يعرف جيداً ما لدى «حماس» وما يمكن أن يقلقها، بل هو ما يثبت أن «داعش غزة» ليست ظاهرة مستقلة تشبه ما جرى في سوريا والعراق أو حتى سيناء، وإنما هي «طفرة» تنظيمية أصابت «حماس» على وجه الخصوص، نتيجة الشحن الطائفي المستمر من عقد من الزمان.
«الأخبار» استطاعت التواصل مع «أبو العيناء الأنصاري»، أحد أهم المتحدثين باسم الجماعات السلفية في غزة، الذي أكد أن مجموعة من الاتفاقات جرى التوصل إليها مع «حماس» تتقدمها السماح لهم بممارسة نشاطاتهم في غزة «ما لم تضر المواطنين وأمن حماس»، كما اتفق على «ضرورة إخلاء سبيل إخواننا مقابل التزام القوانين التي تفرض في القطاع». يضيف الأنصاري: «ما جرى بيننا وبين حماس أتى بناء على المصلحة الوطنية وضمان الإفراج عن إخواننا الذين لا يسعون إلى قتل المسلمين ولكن إلى قتل الأعداء الصهاينة».
وذكر المتحدث السلفي أنه تم الإفراج عن العشرات على أن يكون الإفراج عن البقية خلال الأيام المقبلة، ولكنه رفض الكشف عن الوسيط بينهم وبين الحركة، فيما لمحت مصادر في الأخيرة إلى أن «الجهاد الإسلامي» تدخلت بناء على علاقاتها الجيدة مع الفصائل لتقنع الطرفين بضرورة التحاور ومنع جر غزة إلى تصعيد جديد.
التفاصيل نفسها أكدها أحد الكوادر السلفية ويدعى «أبو البراء»، إذ أشار إلى إبرام اتفاقية بين «حكومة حماس العلمانية والإخوان المجاهدين» سيسمح بناء عليها بممارسة حياتهم الطبيعية واحترام مواقفهم وتأييدهم لـ«داعش»، مقابل ضمان تركهم أي استهداف للمواقع العسكرية التابعة لـ «حماس»، وعلى الأخيرة أن تتعهد ألا تلاحق أحدا من «مشايخنا»، متأملا ألا «تنقض حماس عهدها».
في المقابل، قلل مصدر يعمل في وزارة «الداخلية» في غزة من «ضخامة الحديث عن تفاهمات أو صفقات»، قائلاً إن من أفرج عنهم «لم يمسوا أمن المواطنين وغزة، بل أُفرج عنهم بعد استيفاء التحقيقات معهم». واستدرك: «من بقي وعلى عاتقه مسؤولية تفجيرات لا يمكن الإفراج عنهم إلا بعد تنفيذ العقوبة التي تقر بحقهم».
برغم ذلك، لم يخف المصدر الأمني ــ الذي تواصلنا معه بعد رفض المتحدث باسم الداخلية الحديث معنا ــ وجود مباحثات بين الحكومة في غزة ووسيط ثالث لم يسمه، ولكن مصادر أخرى قالت إن ما جرى لم يكن لـ«الجهاد» الدور الأكبر فيه، بل لقادة في «القسام» أجرت «مراجعات شرعية» مع عدد من المعتقلين «الذين أبدوا أسفهم وأقروا بخطئهم، وهم من شباب الكتائب سابقا».
يشار إلى أن القيادي في «حماس» يحيى موسى، أعلن في حديث صحافي أمس، أن «المرحلة الأولى للتعامل مع التنظيمات السلفية الجهادية التي خرجت عن الإجماع الوطني تقوم على الحوار، فلا يمكن أن تكون الحلول الأمنية هي الخيار الأول أو الوحيد».
يعود المصدر في «الداخلية» ليوضح أن «حماس لا تريد أي مواجهة جديدة مع إسرائيل في ظل تأخر الإعمار واشتداد الحصار الذي طاول أخيرا الجمعيات والمؤسسات التابعة بأوامر من محمود عباس، ولا هي أصلا تريد بدء معركة بهذه الطريقة»، مضيفاً: «ليس من مصلحة أحد أي مواجهة داخلية مع متشددين لن يتراجعوا عن فكرهم، وخاصة في ظل ضغط السلطة في رام الله علينا، ولكن هذا لن يبرر في لحظة مسامحة من يحاول زعزعة الأمن... جرى التوافق بين قيادة الأجهزة الأمنية وقادة في حماس على احتواء هذه الحالة الشاذة».
في هذا السياق، يعقب المتحدث باسم الشرطة في غزة أيمن البطنيجي بأن «المتشددين في الإعلام أكثر بكثير مما في الواقع»، قائلاً إن المجموعات السلفية تعد بالعشرات في القطاع لا بالمئات، ولكنْ «لهم تأثير واضح برغم أنهم ليسوا مجموعة واحدة ولا يتبعون لزعيم واحد لهم ولا حتى تتوحد كلمتهم».
أمام هذا التشتت لم تجد «حماس» حلاً للتخلص من هذه المشكلة سوى احتواء تلك المجموعات أو تفكيك الخلايا الصغيرة، واستغلال «الثغر في أفكارهم وانتمائهم إلى جماعات متشددة في بلاد مختلفة مثل سوريا والعراق وليبيا وكذلك مصر، لضرب صفوفهم»، يقول مصدر في جهاز «الأمن الداخلي».
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد قرر فتح المعبرين بين الأراضي المحتلة وقطاع غزة (إيريز ــ بيت حانون لعبور الأفراد، وكرم أبو سالم لعبور البضائع)، بعد يوم ونصف يوم من إقفالهما بسبب سقوط صاروخ على مدينة عسقلان جنوب الأراضي المحتلة. وفي الوقت نفسه، سجل قائد المنطقة الجنوبية في جيش العدو، سامي ترجمان، موقفاً لافتاً بقوله إن «الجيش الاسرائيلي لن يخرج لعملية في غزة لمجرد إقدام تنظيم إرهابي مارق على إطلاق عدة قذائف صاروخية».
ترجمان استدرك حديثه مع رؤساء بلديات غلاف غزة الذي نقلته القناة العاشرة الإسرائيلية، بتأكيد أن «الجيش يعرف كيف يرد»، وبرغم «معرفتنا أن حماس تبذل جهودا لمنع إطلاق النار، فإن إسرائيل لم تعفها من المسؤولية وضبط الأمن في القطاع».
إلى ذلك، أعلن القيادي في «حماس»، النائب صلاح البردويل، أنه «سيعقد مؤتمرا صحافيا غداً (اليوم الأربعاء) لكشف حقيقة بعض من يقفون وراء التفجيرات وإثارة الفوضى في قطاع غزة».