لم يكن إعلان فوز أستاذ القانون العام علي عبد العال برئاسة أول مجلس نواب بعد «30 يونيو» مفاجئاً للمصريين، بل جاء كنتيجة بديهية، في ظل إسناده من «ائتلاف دعم الدولة»، المحسوب على النظام، وهو الائتلاف الذي ينظر إليه على أنه «الوريث الشرعي» للحزب الحاكم، سواء «الوطني» في عهد حسني مبارك، أو «الحرية والعدالة» في عهد محمد مرسي.
حتى قبل انتهاء إجراءات الانتخابات وتشكيل البرلمان، حجزت رئاسة البرلمان لرئيس الجمهورية السابق عدلي منصور في حال تعيينه بقرار من الرئيس. أما لو رفض منصور ذلك، فإن الترشح والفوز كانا محسومين لعبد العال، بل إن كثيرين من نواب «ائتلاف دعم الدولة» رأوا أن عبد العال ترأس البرلمان فعلياً ابتداءً من نهاية الشهر الماضي، عندما صدر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعيين 28 شخصية، ليس من بينهم عدلي منصور.
وعندما تضمّنت أسماء المعينين رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق في مصر المستشار سري صيام، توقع كثيرون أن ينافس صيام على رئاسة مجلس النواب، ولكن قيادات الائتلاف قالت إنها حصلت على وعد من الأخير بألا يترشح لرئاسة البرلمان ويكتفي بترؤس «اللجنة التشريعية»، وهو ما كان تمهيداً للطريق أمام عبد العال.
وإذا كان تصويت 67% من نواب البرلمان (401 من أصل 585 عضواً شاركوا في التصويت) لمصلحة عبد العال أمراً متوقعاً، فإنه يثير كثيراً من التخوفات والتشككات في قدرة الرجل على إدارة البرلمان بهذه التركيبة غير المتجانسة، خاصة أنه معروف بهدوئه الشديد، إضافة إلى أن سجله الوظيفي يخلو من أي سابقة لتولي عمل قيادي، بل لم يسبق له العمل البرلماني، ولم يتقلد أي منصب سياسي من قبل، إلى جانب أنه لم يتولّ أي منصب إداري أو قيادي داخل جامعة عين شمس التي يعمل فيها أستاذاً متفرغاً في قسم القانون العام، أو خارجها.
ورغم أن عبد العال وجه مألوف لغالبية المصريين الذين اعتادوا رؤيته على شاشات الفضائيات عقب «ثورة 25 يناير» بصفته أستاذ قانون دستوري، فإن غالبيتهم لم تعرف عنه أكثر من كونه أحد أعضاء «لجنة الخبراء العشرة» التي شكلها عدلي منصور خلال ترؤسه البلاد، لتعديل دستور 2014. كذلك لا يغيب عنهم أنه أحد أعضاء «لجنة إعداد قوانين الانتخابات» التي شكلها منصور أيضاً لإعداد قانوني مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب، ثم أعاد تشكيلها الرئيس السيسي بعد ذلك مرتين: واحدة لإعداد قانون تقسيم الدوائر، وثانية لتعديل قوانين الانتخابات بعدما قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية عدد من مواد الانتخابات، وكان عبد العال عضواً فيها جميعاً.
قبل تلك المناصب لم يكن أحد يعرف رئيس البرلمان الجديد، خاصة أنه التحق فور تخرّجه بالعمل في منصب معاون نيابة، ثم لم يمكث في النيابة العامة أكثر من بضعة أشهر، بعدما أعلنت جامعة عين شمس تعيينه معيداً في الكلية، ليستقيل من النيابة ويلتحق بالعمل الأكاديمي، فحصل على رسالة الدكتوراه في رسالة بعنوان «مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية»، ثم التحق بالعمل خبيراً قانونياً في مجلس الشعب عام 1992 لمدة عام، ثم أعير بصفته مستشاراً قانونياً للديوان الأميري في الكويت منذ عام 1993 حتى 2011. وعاد عبد العال إلى مصر قبل ثورة يناير بأيام ليتولى العمل في جامعة عين شمس وأكاديمية الشرطة التي يعمل فيها أستاذاً في كلية الدراسات العليا.
ومع أن عمله الأكاديمي وتخصّصه في القانون من شأنهما أن يجعلاه الشخصية المناسبة لتولّي رئاسة السلطة التشريعية في البلاد، فإن ما يتعارض مع ذلك طبيعته الهادئة التي اشتهر بها وسط المصريين على مدار السنوات الخمس الماضية، وغياب الخبرة السياسية لديه، إلى جانب ما وراء تدعيم الائتلاف المحسوب على الأجهزة الأمنية له من أسباب، في ظل أن رئيس البرلمان، وفقاً للدستور، إلى جانب مهماته في إدارة شؤون البرلمان، سيحل محل رئيس الجمهورية نفسه عند خلوّ المنصب للاستقالة أو الوفاة أو العجز الدائم عن العمل أو انتهاء ولاية الرئاسة.
كذلك فإن الرجل سيضم تلقائياً إلى عضوية «مجلس الدفاع الوطني» و«مجلس الأمن القومي» اللذين يرأسهما رئيس الجمهورية إلى جانب رئيس مجلس الوزراء ووزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية ورئيس «المخابرات العامة» ورئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي ورئيس «هيئة عمليات القوات المسلحة» ومدير إدارة «المخابرات الحربية والاستطلاع».
كذلك سيكون عبد العال معنياً، كما باقي أعضاء اللجنة المذكورة، بالنظر في الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها ومناقشة موازنة القوات المسلحة. ويبقى التساؤل الأبرز عن كيفية مواجهته «الشخصيات المنفلتة» في البرلمان، على شاكلة مرتضى منصور وتوفيق عكاشة، المشهورين بإساءتهما إلى الجميع ومخالفة القواعد، وهو ما ظهر في أداء رئيس البرلمان المنفعل عقب اعتلائه منصة الرئاسة. أما الملمح الأبرز لعبد العال فهو انتماؤه إلى «25 يناير» و«30 يونيو» معاً!