غزة | لم يعد معبر «بيت حانون ــ إيريز»، الواقع شمال قطاع غزة بإدارة إسرائيلية جبرية، ممرّاً آمناً لحركة تجار قطاع غزة والمرضى وحملة الجنسيات الأجنبية، الراغبين في السفر إلى الضفة والقدس المحتلتين، أو أراضي عام 1948 وكذلك إلى الأردن، إذ صار الاعتقالات والضغوط جزءاً من «روتين» المعبر.
وتتزايد الاعتقالات الإسرائيلية بحق عدد من هؤلاء الذين يستجوبون للحصول على معلومات عامة أو خاصة عن أوضاع الغزيين. ويكون الادعاء الإسرائيلي في حال اعتقال أحد التجار أنه كان يهرّب موادّ ذات استعمال مزدوج، أي مدني وعسكري، فيما تكون تهم الآخرين أشد قساوة.
يتزامن هذا الضغط بالاعتقال أو بالابتزاز (التوعد بمنع أحدهم من العودة عبر المعبر نفسه) مع خطوات عدة اتّخذها الاحتلال منها سحب تصاريح ما يزيد على ألفي تاجر، ومئتي من رجال الأعمال الذين يحملون تصاريح كبار الشخصيات، وتحويلهم إلى مرفوضين أمنياً. كذلك قرّر العدو وقف التعاملات التجارية مع 150 شركة كبرى ومنع إدخال الإسمنت إلى أربعمئة مصنع حجارة.
يزيد على تهم تهريب بضائع ذات استخدام مزدوج، وفق الرواية الإسرائيلية، تهمة نقل أموال إلى الفصائل، أو العمل سراً في الأجنحة العسكرية، فيما تنفي المؤسسات الحقوقية والإنسانية غالبية هذه التهم، مستندة إلى أنّ المرفوض أمنياً أو من يعمل في المقاومة لن يعرض نفسه للخطر أصلاً ويجازف بالعبور من «مصيدة إيريز».
استطعنا التواصل مع أحد التجار المعتقلين منذ شهر ونصف في سجن نفحة الصحراوي، في النقب المحتل، وأفاد بأن حجة سجنه هي «بيعه فلاتر سيارات لحركة حماس يمكن أن تستخدم في تصنيع صواريخ لضرب العمق الإسرائيليّ». وقال التاجر، الذي شدد على إخفاء اسمه بما أن قضيته لم تكتمل، إنه تعرض للسجن الانفرادي أكثر من شهر، وخضع لسلسلة تحقيقات أجراها معه ضابط في المخابرات الإسرائيليّة «الشاباك» تخلّلها سؤاله عن وضع غزة ومعرفة أسماء شخصيات تشتري منه قطع غيار سيارات، وكيفية استخدام الفلاتر في صناعة الصواريخ، مشيراً إلى تعذيبه باستخدام الكهرباء والماء ومنع التدفئة عنه خلال البرد.
يؤكد التاجر، في حديثه إلى «الأخبار»، أن لإسرائيل أهدافاً أكبر من منع تهريب بضائع، هي تعرف سابقاً أنها ليست ذات ضرر كبير، وإنما تريد الإيقاع بعدد منهم للعمل معها، مضيفاً: «هم يمنعون إدخال أكثر من ستة آلاف صنفٍ من المواد الغذائية والخدماتية المتعلقة بالبناء والمنشآت الصناعية بذريعة الاستخدام المزدوج... طلبوا مني 24 ألف دولار مقابل الإفراج عني على بند الكفالة، ثم سوف أمنع من الحصول على تصريح دخول بعد ذلك».
وذكر التاجر نفسه أن الخيار البديل من الكفالة المالية ومنع الدخول، هو الإقامة الجبرية في القدس المحتلة «عند أحد المعارف مدة عشرين سنة... هذه المرة الأولى يوضع فيها معتقل أمام هذين الخيارين!».
ولا تعني النجاة من الاعتقال أن الحاصل على تصريح سيمر بسلام، إذ يحتجز بعضهم لساعات ويُحقّق معه، أو يسجن لأيام يليها سحب التصريح، كما حدث مع عضو مجلس «إدارة جمعية رجال الأعمال»، خالد لبّد، الذي يؤكد أن عمله كان يقتصر على جلب الأجهزة الكهربائية وبيعها. يضيف لبّد: «هذه البضائع تأتي خارج دائرة المواد المستخدمة لدى فصائل المقاومة باعتراف رسميّ صدق عليه الاحتلال ودائرة الشؤون المدنية الفلسطينية».

تتعدّد التهم لكن المؤسسات الحقوقية ترى أنها مبالغ فيها

في هذا السياق، يظهر رئيس «جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في غزة»، علي الحايك، قلقاً من سياسة العدو تجاه رجال الأعمال، خاصة بعد «الحديث عن نيّة الاحتلال التغيير الطبقي بسحب التصاريح من التجار، مقابل إعطائها للأيدي العاملة» الممنوعة منذ 16 عاماً دخول فلسطين المحتلة، لافتاً إلى أنّ الأخطر من ذلك هو منع شركات من الاستيراد من طريق معبر «كرم أبو سالم»، جنوب القطاع، ومصادرة بضائعهم من ميناء أسدود، شمال قطاع غزة.
جرّاء ذلك، تشكك المؤسسات الحقوقية في منطقيّة بعض لوائح الاتّهام الموجهة إلى المعتقلين، مشيرين إلى أنها تحوي «فبركة» ومبالغة، وفق توصيف نائب مدير «المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان»، حمدي شقورة. يقول الأخير إنّ الاعتقالات على «إيريز» طاولت عدداً أكبر من التجار والمرضى وشملت موظفين في المؤسسات الدوليّة، ما يؤثّر في طبيعة عمل هذه المؤسسات ومستقبل المساعدات الدولية، مؤكداً أنّ الاحتلال نشر معلومات مبالغاً فيها.
ووفقاً لعمليات التوثيق التي أجراها «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، فإنّ عشرين من الموظفين الدوليين اعتقلوا على «إيريز» وتعرضوا لمعاملة قاسية لا تخلو من الشتائم، فضلاً عن تقييد الأيدي والأقدام.
أما حالة الأسير الشاب مجد عويضة، فهي مختلفة عن الآخرين، إذ كان قد حصل على التصاريح المطلوبة لزيارة الضفة لاستكمال إجراءات التنسيق لبرنامج المواهب الفلسطينية الذي كان من المقرر عقده هناك، لكن سلطات الاحتلال اعتقلته في «إيريز» وحولته إلى سجن عسقلان. منذ ذلك الوقت، رفض العدو الإفصاح عن حالته، مكتفياً بالحديث عن تهم مثل «اختراقه المنظومة المحوسبة للطائرات دون طيّار للجيش الإسرائيلي واختراق حواسيب الشرطة»، وفق إفادة والده، الذي قال إن نجله تعرض للمحاكمة سبع مرات تأجّلت جميعها دون أسباب تذكر، مشيراً إلى أنّ محاميه أبلغهم نيّة العدو رفض الإفراج عنه.