أكدت السلطات التركية، أمس، أنها كشفت هوية منفذ الاعتداء على الملهى في اسطنبول ليلة رأس السنة، علماً بأنه لا يزال فاراً، فيما رأى الرئيس رجب طيب أردوغان أن الهجوم يرمي إلى إثارة الانقسام في المجتمع.
ونشرت السلطات صوراً عدة للرجل الذي يشتبه في تنفيذه الهجوم الأول الذي يتبناه تنظيم «داعش» على الأراضي التركية. وأورد الإعلام أنه تمّ صباح أمس اعتقال 20 شخصاً على الأقل، يشتبه في علاقتهم بالتنظيم في مدينة ازمير غرب تركيا، فيما تسعى السلطات إلى معرفة ما إذا كان لدى الرجل شركاء. وقالت وكالة أنباء «الأناضول» شبه الرسمية إن هؤلاء ينحدرون من بلدان في آسيا الوسطى وسوريا، فيما أعلن الإعلام التركي أن منفذ الاعتداء قد يكون من قرغيزستان أو أوزبكستان.
ووصل عدد الموقوفين، أمس، إلى 36 شخصاً، على الأقل، في إطار التحقيق، بينهم زوجة منفذ الاعتداء، وفق ما قيل. ويأتي ذلك في وقت كان فيه البرلمان التركي قد قرّر ، ليل أول من أمس، تمديد حالة الطوارئ المتّبعة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز. وذكرت صحيفة «خبرتورك»، أمس، أن المهاجم بعد ارتكابه مجزرته استقل سيارة أجرة، ودفع ثمن الانتقال بمال اقترضه من مطعم أويغوري في منطقة زيتينبورنو، في الشطر الأوروبي لاسطنبول. وأشارت وسائل إعلام عدّة، مطلع الأسبوع، إلى أن المهاجم أقام في تشرين الثاني في قونيا (جنوب) مع زوجته وأولادهما لتجنّب إثارة الشكوك.

أنقرة: لن نركع
أمام المؤامرات
ومكائد المخابرات الإقليمية والدولية

من جهة أخرى، رأى الرئيس التركي أن الاعتداء «يهدف إلى إثارة الانقسام والاستقطاب في المجتمع... هذا واضح جداً»، لا سيما بعدما وردت رسائل على مواقع التواصل تنتقد «نمط حياة» قتلى الهجوم في الملهى. لكن الرئيس التركي سعى إلى الطمأنة في خطابه العلني الأول بعد الهجوم، وأكد أنه «ليس من تهديد منهجي لنمط حياة أحد في تركيا. لن نسمح بحدوث ذلك»، مضيفاً «سنبقى صامدين وسنحافظ على هدوئنا»، ولافتاً إلى أن «هذه الاعتداءات تهدف إلى دفعنا إلى تفضيل عواطفنا على المنطق». ولطالما تعرّض أردوغان نفسه، الذي تولى السلطة عام 2003 كرئيس وزراء، لاتهامات بمحاولة أسلمة تركيا وتعميق الانقسامات في المجتمع. إلا أن السلطات مصرّة على أن تركيا ستبقى متمسكة بـ»الهوية العلمانية»، وأن التغيير خلال فترة حكم أردوغان هدفه فقط منح المسلمين مزيداً من حرية العبادة.
في غضون ذلك، عمدت الصحافة الغربية إلى إلقاء الضوء على أجواء القلق التي تعيشها تركيا وسلطاتها. وفي «نيويوركر» الأميركية، رأى الكاتب الصحافي ديكستر فيلكينس أنه في الوقت الذي يتقدم فيه أردوغان بثقة باتجاه الديكتاتورية، سحب بلاده بعيداً عن الغرب»، متخذاً عدداً من الإجراءات التي تؤدي إلى زيادة نفوذ الدين في الحياة العامة. وفي هذا الإطار، ذكّر بأنّ رجال الدين المعيّنين من قبل الحكومة، والذين يجري إعداد خطبهم من قبل الدولة، قاموا بإخبار الناس في خطبة الجمعة الماضية بأن «احتفالات رأس السنة تعود لثقافات أخرى».
وفي «ذا غارديان» البريطانية، رأت الروائية التركية أليف شافاق، التي تُعتبر من بين الكتّاب الأتراك «ذوي الميول الغربية»، أنّ فظاعة ما جرى ليلة رأس السنة تُظهر مدى عمق التطرّف الإسلامي المستفحل في تركيا. وقالت في مقالها إنّ بلادها كانت «في قبضة التعصّب التي بلغت ذروتها خلال المجزرة»، معتبرة أنّ الحكومة تحاول التغطية على انعدام كفاءتها في السياسة الخارجية والداخلية عبر استخدام لغة الشوفينية والوطنية. ورأت أنّ هجوم «داعش» وقع في بلد زُرعت فيه بذور التطرّف والتعصّب والاستبداد، مشيرة إلى أنه قبل أسابيع على احتفال رأس السنة، كانت الجماعات القومية المتطرّفة والإسلامية توزّع منشورات في الشوارع تقول فيها إن «المسلمين لا يحتفلون بأعياد المسيحيين». وقالت إنّ «ما يثير الحيرة، هو أن أي شخص يكتب أي شيء ضد الحكومة يمكن أن يحاكم بشكل مباشر، بينما لا يحاسب أمثال هؤلاء المتعصّبين والقوميين المثيرين للفتن، إلا نادراً»، معتبرة أنّ «البلاد تمر في منعطف خطر، وربما أكثر من ذلك؛ فبسبب الخسارة المحزنة للديموقراطية وتكرار أخطاء حكومة العدالة والتنمية في سوريا، وبسبب المشاكل في الشرق الأوسط، والتغييرات على الساحة الدولية، تحوّلت مدننا إلى جبهات جديدة للإرهاب». وفي صحيفة بريطانية مثل «تلغراف»، قال الكاتب الصحافي مارك آلموند إنه من خلال تسليح «الجهاديين المتطرفين» وتشجيعهم لمحاربة النظام في سوريا، تجاهل أردوغان مخاطر أي انتكاسة. وذهب الكاتب إلى حدّ التساؤل عمّا «إذا كانت تركيا قد تحوّلت إلى رجل مريض على حافة أوروبا؟»، معرباً عن أسفه لأنّه «بعد عقود على الترويج لتركيا على أنها مثال يحتذى به، أصبحت البلاد الآن في خطر الانزلاق في الطريق الذي انزلقت فيه باكستان قبلها». وأشار إلى أنه «ربما هناك أشخاص في الحزب الحاكم حاضرون من أجل تحدّي استحواذ الرئيس على السلطة ويريدون تغييره»، لكنه أعرب عن شكوكه في «أن يكون هناك عدد أو شجاعة كافيين يسمحان بإسقاط اردوغان»، لافتاً إلى أنّ «عذاب تركيا قد بدأ ليستمر، ولكن بسبب موقع البلاد الجيوسياسي الحساس، فإن الفوضى في تركيا تعني عدم الاستقرار في الغرب أيضاً».
في الأثناء، يذهب «حزب العدالة والتنمية» الحاكم إلى مواجهة تهديدات الاستقرار في البلاد بخطاب يتميز بنبرته العالية وبربطه ما يجري بـ»المؤامرات». وقد ظهر ذلك أمس في كلمة لمستشار رئيس الوزراء، عمر فاروق قورقماز، الذي قال خلال كلمة له في ندوة نظمت في السودان بعنوان «السياسة الخارجية التركية في ظل التحولات العالمية»، إنّ «تركيا باتت أملاً للإنسانية والمسلمين، ولن تركع أمام المؤامرات أو تقف مكتوفة الأيادي أمام مكائد المخابرات الإقليمية والدولية التي تتلاعب بالمنظمات الإرهابية لزعزعة الأمن وقتل الأبرياء». وأضاف أنّ بلاده «أصبحت ملجأً وملاذاً لكل المظلومين في الأرض، وهذا دورها التاريخي».
(الأخبار)