الموصل | بمجرد تغيّر خطة العمل العسكري في شرق مدينة الموصل، بدأت النتائج الكبيرة في الظهور. فمنذ أسبوعين فقط، لم يكن أحد ليصدّق أن الاقتراب من ضفة نهر دجلة (الذي يقسم المدينة جغرافياً إلى نصفين) هو أمر ممكن، وذلك بسبب التلكؤ الكبير في التقدم واستماتة تنظيم "داعش" في الدفاع عن مواقعه في شرق المدينة.
لكن إقرار قيادة العمليات المشتركة لنوع جديد من التكتيك العسكري، الأسبوع الماضي، مكّن الفرق العراقية من تحقيق إنجاز كبير، لابد أن يؤثر على مستقبل معركة استعادة الموصل، برمته.
التغيير الذي أقرته القيادة العسكرية لعملية استعادة الموصل، تمثّل في تعديل خطوط انتشار الفرق العسكرية، والتخلي عن مواقع جرت استعادتها مسبقاً، حتى ظنّ المراقبون أن تلك الفرق تتراجع، لكنها في الحقيقة كانت تعيد نشر وحدات صغيرة كُلّفت بمهمة إحداث ثغرات في خطوط الصد التي انشأها "داعش" على طول جبهة تمتد لنحو ثلاثة كيلومترات بمحاذاة ضفة دجلة الشرقية. وبحلول فجر يوم أمس، كانت الوحدات الصغيرة قد نجحت في عزل الجزء الشمالي الشرقي عن وسط وجنوب شرق المدينة، ما يعني تقسيم الجزء المحاذي للنهر إلى ثلاثة أقسام كل منها غير متصل بالآخر، ولذلك صار لزاماً على وحدات "داعش" الانحياز باتجاه القاطع الغربي لمدينة الموصل، والإبقاء على الانتحاريين فقط في المواقع المذكورة.
ولم تتوقف القطعات العراقية عند حد تحقيق ذلك الإنجاز، بل واصلت الضغط على المحاور الثلاثة التي انكشفت كلياً أمامها، لتنجح قوات جهاز مكافحة الارهاب، في الساعات الأولى من صباح يوم أمس، في اقتحام حي البلديات في شرق المدينة، في عملية نوعية. وبدأت عملية استعادة الحي المذكور، بهجوم شنته قوة ثانوية على حي سكر، بشكل كثيف، حتى اعتقد تنظيم "داعش" أنّ الهجوم يستهدف استعادة الحي نفسه، ليقوم بحشد قوة كبيرة من مقاتليه في خط الصد، لكن القوة العراقية نفذت مناورة جريئة، مكّنتها من الالتفاف والوصول الى حي البلديات، لتنجح أولاً في اقتحامه، وثانيا في عزل وحصار عدد كبير من عناصر "داعش" بين فكي كماشة.
وفي تطور لافت، عصر امس الأحد، نجحت القوات العراقية في بلوغ ضفة نهر دجلة، عند الجسر الرابع الرابط بين ضفتي الموصل، لتعزز العزل الذي بدأته للمناطق التي ينتشر فيها "داعش"، في المقطع الشرقي.

بدأت غرفة العمليات وضع
خطوط أولى لعملية نقل المعركة من شرق الموصل إلى غربها



وكانت وحدات من جهاز مكافحة الارهاب، ووحدات من قوة الرد السريع، نفذت نهاية الاسبوع الماضي، عمليات توغل جريئة داخل مواقع "داعش" في جنوب شرق الموصل، أثمرت عن السيطرة على موقع استراتيجي، ساعدها في بناء جسر لعبور نهر الخوصر الصغير، ومفاجأة عناصر "داعش" المتحصنين في حي الوحدة، الذي يعدّ أخطر معاقل التنظيم في هذا الجزء من شرق المدينة.
ويقول المحلل الأمني هشام الهاشمي، إن "المرحلة الثانية من عمليات (قادمون يا نينوى) هي مرحلة التحوّل إلى اهداف سيادية وإستراتيجية... وأدى عبور نهر الخوصر إلى زعزعة معنويات وحدات داعش ومراكز نفوذها وذهاب حماستها"، موضحاً أنّ الفرق العراقية حققت هدفها الرئيسي لناحية إدامة الزخم بموجات متعددة وبقتال على مدار الساعة واعتماد خاصية القتال الليلي. ويلفت الهاشمي إلى أن "الأهالي كانوا أكثر تعاونا في كشف شبكات الانفاق وشبكات الكمائن للعبوات وتشخيص أبراج القنص ومصانع التفخيخ، وهذا يمثّل بحد ذاته نصف المعركة، فالقوات بغير ذلك تقاتل أشباحا وتمشي في حقل ألغام".
وكنتيجة للتطورات الميدانية، تقول مصادر "الأخبار" إن قيادة العمليات المشتركة المشرفة على عملية استعادة الموصل، بدأت فعلياً في وضع الخطوط الأولى لعملية نقل المعركة من شرق الموصل إلى غربها، حيث تتواجد دفاعات "داعش" الأشد تحصينا، وحيث تتركز الكثافة السكانية العالية، وهو ما يفرض مستوى جديداً من التحديات.
ووفقاً للمصادر، فإن "القادة العسكريين في الموصل، يريدون استثمار الزخم الذي يرتفع منذ ثلاثة أيام، ومعنويات جنودهم التي تتصاعد، بفعل الانتصارات الأخيرة، بعد تلكؤ الاسبوعين الماضيين". لكن هذا التفاؤل يصطدم بحقيقة الكثافة السكانية الهائلة في غرب الموصل، وما يطرحه ذلك من تحديات في ملف النازحين.
وتقدر مصادر في مكتب البعثة الدائمة للأمم المتحدة في العراق، في تصريحات لـ"الأخبار"، أن ينزح نحو ٣٠٠ الف موصلي مناطق القاطع الغربي، خلال الأسبوع الأول من بدء العملية العسكرية لاستعادته. ومع وصول مخيمات إيواء النازحين، في محيط مركز الموصل وبعض مناطق اقليم كردستان المجاور، إلى ما يفوق طاقتها الاستيعابية القصوى خلال الأسابيع الماضية، فقد يواجه النازحون الجدد مصيراً مجهولا، في ظل انخفاض درجات الحرارة، وندرة امدادات الغذاء والدواء. وتؤوي مخيمات النازحين حاليا نحو ١٧٠ الف شخص، بزيادة نحو ٣٠ الفا على طاقتها الاستيعابية القصوى. فيما تقول بعثة الامم المتحدة في العراق إنّ عدد النازحين ربما يفوق المليون شخص، في حال شمول العمليات العسكرية كامل غرب الموصل.
ومع إشارة البعض إلى موافقة قيادة العمليات المشتركة لعملية استعادة الموصل، على تقبل مستوى مرتفع من الضحايا في صفوف المدنيين، خلال الأسبوعين الاخيرين من العملية العسكرية في شرق المدينة، لا يبدو أن بقاء السكان في منازلهم بالمناطق التي تشهد اشتباكات مسلحة، خيار موفق، وهو ما يجري العمل إعداد مقاربة ملائمة للتعاطي معه.