القاهرة | «كدّابو الزفة»، و«حملة مباخر»، وصفان يطابقان حال كثيرين من العاملين في مجال الصحافة والإعلام في مصر، فيما تفضح تطورات قضية ترسيم الحدود مع السعودية، المعروفة إعلامياً بـ«تيران وصنافير»، موقفهم بنحو جلي!
مع توقيع رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل، ووليّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، في الثامن من نيسان الماضي، اتفاقية ترسيم الحدود التي تقضي بنقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير المصريتين إلى السيادة السعودية، هلّل إعلاميّو مصر للاتفاقية وباركوها، بل وصل الأمر ببعضهم إلى حدّ اتهام جيش مصر باحتلال الجزيرتين، ثم دخلوا في مراهنات علنية تملّصوا منها عقب حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر ببطلان الاتفاقية.
مثلاً، سبق أن كرر كل من مصطفى بكري وأحمد موسى عبارات «جيش مصر المحتل للجزيرتين»؛ فالأول وصل به «التطبيل» للاتفاقية إلى إصدار كتاب « تيران وصنافير... الحقيقة الكاملة»، مدّعياً فيه ملكية المملكة الوهابية للجزيرتين.
في ذلك الوقت، احتفى الإعلام السعودي بالكتاب، وأفردت له قناة «العربية» وموقعها الإلكتروني مساحة للنقاش، بل دفع اليقين الذي يبدو عليه بكري، بشأن سعودية الجزيرتين، به إلى القسم بالاستقالة من مجلس النواب في حال ثبوت مصرية الجزيرتين! من ثمّ ذكّر مغرّدون الصحافي المحسوب على «التيارات القومية» بوعده، وطالبوه بالاستقالة واعتزال العمل العام.
لا يأبه بكري بما ينشر عن علاقاته السرية والمعلنة بمملكة الخوف، بل يتباهى بها أحياناً؛ ففي حزيران 2015، كشفت وثائق «ويكيليكس» أنّ سفير السعودية في القاهرة أحمد القطان بعث برسالة إلى دولته تفيد بأنّ الإعلامي المصري زاره في مكتبه وطلب منه تمويلاً لتحويل صحيفته إلى يومية، وإنشاء فضائية «تهدف إلى التصدي للمدّ الشيعي» (راجع العدد ٢٦٢٢ في ٢٣ حزيران ٢٠١٥ )، وهو ما دفع بعضهم إلى تشبيهه بشخصية محجوب عبد الدايم، بطل رواية نجيب محفوظ «القاهرة الجديدة».
أمّا أحمد موسى، مقدم برنامج «على مسؤوليتي» (قناة «صدى البلد» المملوكة لأحد رموز نظام حسني مبارك، رجل الأعمال محمد أبو العنين)، فراهن على دفع مليون جنيه (53 ألف دولار أميركي) لمن يثبت مصرية الجزيرتين، واليوم يطالبه أحد مقدمي دعوى بطلان الاتفاقية المحامي طارق العوضيّ بدفع المبلغ. كذلك أعلن الحقوقي جمال عيد إنهاء مقاطعته ما سمّاه «القيء الإعلامي» ومتابعة موسى بعد حكم الإدارية العليا.
بالنسبة إلى سعيد حساسين، وهو مقدم برنامج «انفراد» على قناة العاصمة، المعروف عنها انحيازها إلى نظامي مبارك وعبد الفتاح السيسي، لم يختلف هو الآخر في مواقفه عن زميليه السابقين، كذلك كان قد تعهد بـ«الاستحمام في مياه مضيق تيران وصنافير» في حال ثبوت مصريتهما، وفوراً انتشرت مطالب على الفضاء الإلكتروني بتنفيذ قرار اعتزاله.
على صعيد آخر، حاول بعض الصحافيين والإعلاميين «ركوب الموجة» ومغازلة الجماهير من جهة، وتبرئة النظام السياسي من تهم «التفريط في الأرض» من جهة أخرى، إذ كتب محمد الباز، وهو رئيس مجلسي إدارة وتحرير صحيفة «الدستور»، أن «الرئاسة والحكومة تمتلك من الوطنية والحكمة التي لا يمكن لأحد أن يزايد عليها، ويتهمها بأنها يمكن أن تفرط في الأرض، فلا يوجد لديها مبرر ولا دافع لذلك على الإطلاق».
وفي الوقت الذي احتفل فيه الباز بالحكم على صفحته الفايسبوكية، انتقد في مقالته الهتاف ضد النظام أمام محكمة القضاء الإداري بعد النطق بالحكم، معتبراً القضية مجرد «خلاف قضائي وليس سياسياً».