بغداد | فيما تبنت قوى سياسية «شيعية» حملة مناوئة للتظاهرات والدعوات الشعبية للنزول إلى الشارع وتنظيم احتجاجات واعتصامات في محافظات الجنوب العراقي ومدنه تنديداً بتردي الخدمات وازدياد ساعات انقطاع التيار الكهربائي، أبلغ مصدر في شرطة محافظة ذي قار «الأخبار» أن الجماعة التي تعرف باسم «اليماني» عاودت نشاطها من جديد في جنوب العراق باستقطاب وتجنيد عدد من ضباط الجيش والشرطة والشباب.
المصدر الذي يحمل رتبة عقيد في شرطة «ذي قار» أكد ورود معلومات استخبارية دقيقة تفيد بأن جماعة «اليماني» التي لوحقت وقُتلت أعداد كبيرة من أفرادها في منطقة الزركة في محافظة النجف عام 2007 بدأت بتنظيم صفوفها وترتيبها مجدداً في المحافظة، تمهيداً للقيام بتحركات ونشاطات شعبية، مستغلة أجواء ليالي شهر رمضان، مشيراً إلى أنها جندت عدداً كبيراً من الضباط وعناصر القوات الأمنية في صفوفها.
وعن الطرق التي تستغلها الجماعة في استقطاب عناصر الجيش والشرطة وتجنيدهم، أوضح المصدر أن جماعة اليماني تشتهر بأساليب وطرق «غريبة وذكية» في استقطابها للأنصار «حتى أنها تمكنت من ضم ضابط رفيع بالاستخبارات كان مكلفاً متابعة تحركاتها قبل سنوات». ويبيّن المصدر أن ذلك يرجع إلى أن الكثير من أفراد الجماعة ينتمون إلى شريحة الأطباء والمهندسين، فضلاً عن طلبة العلوم الدينية.

ويعود أول ظهور لجماعة اليماني في الجنوب إلى التاسع من محرم من عام 2007، حيث شنوا سلسلة هجمات دامية في المحافظات الجنوبية والنجف، تطورت إلى اندلاع اشتباكات عنيفة أدت إلى مقتل قائد القوات الخاصة آنذاك في الناصرية، قبل أن تتمكن أجهزة الأمن من تصفيتهم جميعاً في منطقة الزركة في محافظة النجف، حيث كانوا يخططون لاقتحام مرقد الإمام علي وقتل المراجع الدينية، ولا يزال الغموض يسود حتى الآن تلك الحادثة التي قتل خلالها 70 شخصاً من أتباع «اليماني» الذين كانوا يطلقون على أنفسهم حينها اسم «جند السماء».
ويُعرّف موقع إلكتروني على صلة بجماعة «اليماني» قائد الجماعة «أحمد الحسن اليماني» بأنه المهدي الأول ووصي ورسول الإمام المهدي. وبحسب الموقع، كان اليماني يعيش في البصرة وأكمل دراسته الأكاديمية وحصل على شهادة بكالوريوس في الهندسة المدنية، ثم انتقل إلى النجف وسكن فيها لغرض دراسة العلوم الدينية، وبعد اطلاعه على الحلقات الدراسية والمنهج الدراسي في حوزة النجف «وجد أن التدريس متدنٍّ، ووجد أن في المنهج خللاً كبيراً»، ولذلك قرر الاعتزال في داره ودراسة العلوم الدينية بنفسه دون الاستعانة بأحد.
ويتوزع أفراد جماعة «اليماني» في محافظة ذي قار في مناطق الصالحية وسط الناصرية والجبايش والفهود في سوق الشيوخ الشهير جنوب الناصرية، وفي منطقة الداوية شمال الناصرية، وحي الفداء الذي يضم عوائل تتكفل بالتبشير بدعوة «اليماني» حيث يستدعون عامة الناس إلى منازلهم ويمارسون أمامهم حركات وطقوساً معينة يدعون خلالها رؤية الإمام المهدي والحديث معه. فيما يُعَدّ حيّ الإصلاح شمال مدينة الناصرية معقلهم الرئيسي.
وتشهد مناطق جنوبية متفرقة تظاهرات واحتجاجات شعبية، تنديداً بسوء إدارات الحكومات المحلية وتراجع الخدمات وتردي تجهيز المدن بالطاقة الكهربائية في فصل الصيف، وترافق تلك الاحتجاجات أحياناً أعمال شغب من قبيل حرق إطارات أو قطع لشوارع وطرق.
ويشير مصدر محلي في المحافظة إلى أن جماعة «اليماني» وضعوا خططاً لتنظيم حملات ودعوات للتظاهر وتنظيم وقفات احتجاجية واعتصامات احتجاجاً على تردي الخدمات وتفشي البطالة في المناطق الجنوبية، لكون تلك الأمور تستقطب تعاطف الناس وسخطهم من الإجراءات الحكومية وفساد المسؤولين. ويؤكد المصدر لـ«الأخبار» أن التظاهرات والاعتصامات هي «المخطط الناعم» للسيطرة على الجنوب، حيث يجري حديث عن «اليوم الموعود»، وهو بمثابة الساعة الصفر لانطلاق موجة التظاهرات.
وبحسب المصدر، خوّل مجلس محافظة ذي قار قيادة الشرطة في المحافظة شنّ ضربات استباقية ضد أوكار الجماعة ومعاقلها ورصد أية تحركات أو تجمعات لهم، مشيراً إلى أن المجلس أجرى اتصالات مع مجالس المحافظات الجنوبية الأخرى (البصرة، ميسان) خشية انتقال عناصر من الجماعة إليهم.
سياسياً كشف فادي الشمري، القيادي في «ائتلاف المواطن» بزعامة «رئيس المجلس الأعلى» عمار الحكيم، عن وجود تحركات ودعوات مشبوهة خرجت في محافظة البصرة باسم حركات ومنظمات سياسية وإسلامية تدعو للتظاهر من أجل إحداث «بلبلة» ومشاكل. وتفيد المعلومات بأن تيار الحكيم و«التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر، يعقدان اجتماعات ثنائية «لاحتواء أي طارئ قد يحدث».
في المقابل، رفض ناشطون شباب لهم اليد الطولى في الحراك في الجنوب اتهام تحركاتهم بأنها لغايات مشبوهة، معتبرين الهجوم على تحركاتهم محاولة لقمع الأصوات الاحتجاجية المنددة بالفساد وسوء الإدارة.
ويبيّن الناشط حسن حمود أن الحراك الشبابي في كل رمضان يكون له دور وفعاليات متنوعة للمطالبة بحقوق الناس، ومن أبرز مظاهر ذلك الحراك التظاهرات الليلية. ويشدد حمود في حديث لـ«الأخبار» على أن «حراكنا سلمي 100%، ولو كان عكس ذلك لما منحتنا القوات الأمنية رخصاً للتظاهر».
وأبدى حمود استغرابه من التصريحات الأخيرة لرئيس «المجلس الأعلى» عمار الحكيم، الذي شكك في الحراك الشبابي والمدني للأهالي، وحذر من تحركات مشبوهة لجر الفوضى إلى الجنوب، موضحاً أنه «كان يجدر بهم امتصاص غضب الشارع المتصاعد ضد الفشل السياسي والأمني والخدمي».
وكان الحكيم خلال مؤتمر صحافي مشترك مع زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر قد تحدث بنبرة لافتة عمّا سماها «تحركات مشبوهة» لجرّ الفوضى إلى الجنوب الذي يتمتع باستقرار أمني ملحوظ في وقت ينتشر فيه «داعش» ويسيطر على مناطق غربية واسعة من البلاد.
الحكيم قال إنه قلق من أن «تكون وراء تلك التحركات مبررات ودوافع أخرى لا ترتبط بالشعارات التي ترفع بهدف إرباك الشارع وجرّ الفوضى إلى المناطق الجنوبية»، دون أن يتطرق الصدر إلى ذلك، خصوصاً أن جماعة «اليماني» تُعَدّ منشقة عن الصدر.