فصول جديدة يشهدها مسلسل الاحتراب بين «جبهة النصرة/ فتح الشّام» وتنظيم «جند الأقصى» من جهة، ومعظم المجموعات المسلّحة في إدلب من جهة أخرى. وتبدو الأيّام القادمة واعدةً بمزيد من التطوّرات، في ظل تراشق المجموعات المحتربة بجملة اتهامات عبر بيانات وبيانات مضادّة خلال اليومين الماضيين، ومن دون أن تؤثّر كثافتها بوتيرة المعارك واتساع رقعتها.
وبات من المعهود عن معظم المجموعات المسلّحة خلال السنوات السابقة أن تكون «حروب البيانات» بمثابة مقدمات تمهّد لحدثٍ ما. وفيما التزمت كثير من الأطراف الصّمت خلال الأيام الأولى، بدت لافتةً مسارعة معظمها أمس لإطلاق تصريحات وبيانات راوحت مضامينها بين «التوضيح» و«التحذير»، واشتمل معظمها على تبادل التهديدات (المباشرة والمبطّنة) من «جبهة فتح الشّام/ النصرة» إلى «حركة نور الدين زنكي» و«ألوية صقور الشّام» وليس انتهاءً بـ«الجبهة الشاميّة». جاء ذلك في خضم معارك عنيفة اندلعت على غير محور من محاور ريف إدلب، وصولاً إلى المدينة التي هاجمت «النصرة» سجنها، كما في ريف حلب الغربي الذي شهد تقويضاً لكثير من نقاط سيطرة «الزنكيين» على يد «النصرة». وحتى وقت متأخر من ليل أمس، لم يبدُ أنّ أيّ طرفٍ يرغب في بذل جهود تهدئة حقيقيّة بين «الإخوة الأعداء». وثمّة ملاحظات فرضت نفسها خلال الأيام الماضية، يأتي على رأسها أنّ «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» التي كانت على رأس أهداف «النصرة» لم تخُض بشكل فعليّ معارك ضدّ الأخيرة خلافاً لكلّ من «ألوية صقور الشّام» و«حركة نور الدين زنكي». وفي المقابل حصد «الأحرار» عدداً من «البيعات» من مجموعات صغيرة آثرت الاحتماء بـ«الحركة» من «بغي النصرة». ورغم أنّ بعض المصادر ردّت سبب المعارك الجوهري إلى أنّ «النصرة» تمهّد لفرض «إمارة» تستند في حيثياتها إلى «فقه التغلّب»، غيرَ أنّ احتمالاً نقيضاً يفرض نفسه بالنظر إلى سيرورة الحدث وتطوراته، ومفادُه أنّ «النصرة» ربّما ابتلعت طعماً قاتلاً قدّمته لها المجموعات، وعلى رأسها «أحرار الشّام». ويبدو طرح هذا الاحتمال على طاولة البحث واجباً، ولا سيّما أنّ مسارات المعارك والانسحابات بدت أشبه بفصلٍ (غير معلن) لمناطق سيطرة «النصرة» عن مناطق بقية المجموعات، وهو هدف لطالما سعت موسكو إلى تحقيقه سابقاً مع الولايات المتحدة، وأخيراً مع تركيّا. ومن شأن هذا «الفصل» حال تحقّقه أن يفتح الباب أمام منعطف جديد في مشهد الحرب السوريّة بأكملها.