تُعَدّ العودة المغربية إلى «الاتحاد الأفريقي» نتيجة عملية لسياسة أطلقت قبل نحو عشر سنوات، وهي تندرج ضمن مساعي الرباط إلى استعادة نفوذها في القارة الأفريقية. وفي خلال الأشهر الستة الماضية، توالت الجولات الدبلوماسية للملك المغربي، محمد السادس، في أفريقيا، حيث عبّر مراراً أمام نظرائه عن التزامه والتزام بلاده تجاه «الأشقاء» الأفارقة.
وفي خطاب ألقاه الملك المغربي في السنغال العام الماضي، ذكر أنّ قرار العودة إلى الاتحاد الأفريقي «ليس قراراً تكتيكياً، ولم يكن لحسابات ظرفية، بل هو قرار منطقي، جاء بعد تفكير عميق... (وإنّ) المغرب عائد إلى مكانه الطبيعي».
ولعلّ قرار العودة إلى المنظمة الأفريقية يعكس إدراك الرباط بأنّ سياسة الكرسي الفارغ التي اعتمدتها أثبتت عدم فعاليتها (خاصة في ما له علاقة بالنزاع على الصحراء الغربية)، وإدراكها لازدياد أهمية القارة على المستوى العالمي في المرحلة الراهنة.

يسخّر المغرب موارده
الرمزية في القارة، وفي مقدمتها الدينية


وفي حديث إلى «فرانس برس»، يوضح جيل يابي، وهو محلل سياسي متخصص في شؤون أفريقيا الغربية، أن «هناك رؤية على الأمد الطويل واستراتيجية وُضعَت من طرف المغرب على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي، ما ساعد على جعل الرباط لاعباً أساسياً، ليس مع أوروبا فقط، لكن أيضاً مع أفريقيا جنوب الصحراء».
لكن «هل كان للمغرب خيار آخر غير السعي إلى توسيع النفوذ في أفريقيا ــ جنوب الصحراء»، يتساءل الأكاديمي السنغالي بكاري سامبي، في تقرير نشرته «لوموند» الفرنسية قبل ثلاثة أيام. ويشرح أنّ «جنوب الصحراء يمثّل قناة التوسع الطبيعية والوحيدة الممكنة للمغرب... إذ شمالاً، يمكن المغرب إقامة تعاون وثيق مع الدول الأوروبية، لكنه لا يملك وسائل انتهاج سياسة قوة. وشرقاً، يحدّه الجار الجزائري الكبير والخصم التاريخي، كما يعوقه غرباً المحيط».
وفي السياق، يشرح المؤرخ المغربي المعطي منجيب، أنّ «من الأسهل للمغرب أن يصبح قوة أفريقية من أن يكون قوة عربية... إذ لا يمكنه أن ينافس الممالك البترولية الخليجية، كذلك لا يملك الموارد الدبلوماسية التي تجعله وازناً في هذه المنطقة المضطربة».
ووفقاً لتقرير الصحيفة الفرنسية، فإنّ المغرب يسخّر «موارده الرمزية» في أفريقيا، «وفي مقدمتها، الدينية، إذ للمغرب ميزة أساسية تتمثل بالتيجانية، أو الفرقة الصوفية الأكثر انتشاراً في غرب أفريقيا، التي يقع أحد أماكنها المقدسة والأكثر زيارة من قبل مريديها، في مدينة فاس، وهو مقام مؤسسها أحمد التيجاني المتوفى سنة 1815. وقد أعطى هذا الموروث للملكة الشريفية شبكة علاقات وتأثير لا مثيل لها في المنطقة».
وينقل التقرير عن عبدو ديوب، وهو سنغالي الجنسية مقيم في المغرب منذ سنوات عدة وهو مسؤول عن فرع إحدى مجموعات التدقيق والاستشارات العالمية، أنه «ظهرت (في السنوات الأخيرة في المغرب) مجموعات وطنية كبيرة قادرة على التوسع عالمياً، وأصبح أصحاب الأعمال المغاربة مشاركين بنحو كبير في جولات الملك في أفريقيا... كذلك فإن الزيارات الدورية للملك، بما فيها زياراته الخاصة، قد غيّرت تماماً نظرة المؤسسات المغربية لبلدان جنوب الصحراء الأفريقي». ولهذه السياسة الأفريقية الجديدة نتائج ملموسة، إذ «في خلال كل جولة، تُوقَّع عشرات اتفاقات التعاون، وقد أصبح المغرب ثاني (أكبر) مستثمر في القارة بعد جنوب أفريقيا، إذ تذهب نصف استثماراته الخارجية المباشرة إلى بلدان جنوب الصحراء، وتُسهم فيها الشركة الوطنية للاستثمار الموجودة في جميع قطاعات الاقتصاد المغربي».
ولا يقتصر الاهتمام المغربي على دول غرب القارة الأفريقية، إذ في نهاية العام الماضي، زار محمد السادس عدة دول في أفريقيا الشرقية، وذلك للمرة الأولى منذ اعتلائه العرش. وأطلق خلال زيارته لرواندا مجموعة من الاستثمارات في قطاعات عدة، بينها التربية والصحة والفلاحة. كذلك، وُقِّعَت 22 اتفاقية للتعاون بين المغرب وتنزانيا، طغت عليها قطاعات الطاقة والمعادن والفلاحة والأسمدة والطاقات المتجددة والنقل الجوي والسياحة وقطاع المصارف، وغيرها، إضافة إلى التعاون في المجال الديني.
وتضاعف الشركات البارزة في الاقتصاد المغربي، وفق تقرير «لوموند»، مشاريع الاتفاقات والانتشار والتمركز في القارة، وذلك في مجالات المصارف والتأمين والاتصالات والعقارات والتعدين، «وفي إثيوبيا، مثلاً، أعلن مجمع الشريف للفوسفات في تشرين الثاني 2016 استثمار بقيمة 3.7 مليار دولار في مصنع ضخم لإنتاج الأسمدة، وهو أحد أضخم المشاريع على القارة الأفريقية».
(الأخبار)