لم تستطع إدارة ترامب تجاوز الهجمة الاستيطانية لحكومة نتنياهو من دون أن تسجل تنبيها ملطفاً، حول مفاعيل اتساع نطاق الاستيطان على عملية التسوية. مع ذلك، بادرت إسرائيل منذ إعلان فوز الرئيس ترامب في الانتخابات الأميركية، إلى التصيدق على أكثر من 8000 وحدة استيطانية، موزعة بين الضفة الغربية والقدس الشرقية.
تأتي الخطوات الاستيطانية التي أقدمت عليها حكومة نتنياهو، وما سيليها، ترجمة لرؤية إسرائيلية ترى في تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية فرصة تاريخية لترجمة طموحاتهم الاستيطانية في القدس والضفة الغربية. وتطبيقاً للرؤية التي كشفها نتنياهو قبل أيام حول قصده بالدولة الفلسطينية، «ما أنا مستعد لإعطائه للفلسطينيين، ليس دولة تماماً مع كل الصلاحيات، بل دولة ناقصة». ومع أنه لم يكشف عن أمر مفاجئ، لفت نتنياهو إلى أن من يعارض موقفه من اليمين الإسرائيلي لا يفهم حقيقة موقفه من إقامة الدولة الفلسطينية، ولو أصغوا بالتفصيل إلى موقفه لما عارضه أحد منهم، موضحاً أنه «لهذا السبب لا يوافق الفلسطينيون» على طرحه.
وبلحاظ أدائه الاستيطاني المتوالي، وشروطه التي أكد أنه لا يمكن التنازل عنها، يجاهر نتنياهو بأن أي كيان فلسطيني لن يحظى بسيطرة أمنية على أي شبر من أراضيه، ولن يتمتع بتواصل جغرافي، بل سيكون مقطَّع الأوصال بالمستوطنات الإسرائيلية وحواجز الجيش الإسرائيلي لحماية المستوطنين. وهو ما برز مرة أخرى، في اقتراح ضم مستوطنة «معاليه أدوميم» (طلب نتنياهو تأجيله إلى ما بعد لقائه بترامب)، وإعادة طرح «تبييض» المستوطنات، «قانون التسوية» للتصديق عليه في الكنيست، وفي تعهد نتنياهو بإقامة مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، كبديل لمستوطني عمونا الذين جرى إخلاؤهم.

لم تكن تل أبيب
لتتجرأ لولا حالة الانهيار في العالم العربي

مع ذلك، ما كان للإسرائيلي أن يجرؤ على هذه الخطوات وغيرها، لولا حالة الانهيار التي يمرّ بها العالم العربي، وانفتاح أنظمة «الاعتدال» العربي على الكيان الإسرائيلي سراً وعلناً، من دون ربطه بالسياسات الإسرائيلية الاستيطانية والأمنية والتسووية.
ينضم إلى ذلك تداعي السلطة الفلسطينية التي تصر على نهجها العقيم، وفي الوقت نفسه تحول دون الشعب الفلسطيني والدفاع عن أرضه وهويته، تحت عنوان التنسيق الأمني مع أجهزة الاحتلال.
في الحال هذه، كان من الطبيعي أن ينقضّ اليمين الإسرائيلي في ظل ما يراه فرصة تاريخية تمثلت بوصول ترامب، من أجل دفن حل الدولتين ونهاية التفكير بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. فإلى جانب كشف نتنياهو عمّا هو معروف من موقفه، بالدعوة إلى «دولة فلسطينية ناقصة»، تأتي دعوة رئيس البيت اليهودي نفتالي بينت، المتكررة إلى الإعلان الرسمي عن التخلي عن مشروع الدولتين وضم مناطق «ج» التي تشكل 60% من الضفة الغربية لإسرائيل.
مع ذلك، لا تقتصر خلفيات هذا الأداء الاستيطاني، على الأبعاد الايديولوجية، ولا على الزخم الذي تلقته إسرائيل بفعل انتخاب ترامب، على المسار الفلسطيني. بل هو أيضاً نتيجة التنافس داخل معسكر اليمين. ففي هذه الأيام بالذات يشدد رئيس حزب البيت اليهودي، اليميني المتطرف، نفتالي بينت، ضغوطه على نتنياهو، مستغلاً المفاعيل السلبية لتقرير مراقب الدولة بشأن العدوان على قطاع غزة، «الجرف الصامد»، على نتنياهو، وبفعل حالة «الترنح» التي يعيشها على خلفية فضائح الفساد التي انفجرت بوجهه، ومن غير الواضح حتى الآن تداعياتها على مستقبله السياسي. ويترجم بينت شعوره بـ»التفوق» عبر طروحات ومواقف يتحدى من خلالها نتنياهو «في ما يتعلق بالسياسة المتبعة حيال حركة «حماس» في غزة، ونمط إدارة المعركة، وأهدافها. ولا يكتفي بذلك، فهو يطالب أيضاًَ بضم معاليه أدوميم وشرعنة نهب الأراضي.
وهكذا، يبدو أداء نتنياهو ترجمة لخلفيات أيديولوجية ورؤى سياسية، وفي الوقت نفسه تثميراً للفرصة التي تبلورت بوصول ترامب، وأيضاً لكونه أسير ابتزاز اليمين الاستيطاني في الوقت الذي يصارع فيه على البقاء.
وعلى هذه الخلفية، يصبح مفهوماً التغول الاستيطاني الذي قد يفتح الباب ليس فقط أمام خرائط البناء الحكومية، بل أيضاً أمام تنظيمات المستوطنين مثل «إلعاد» و»عطيرت كوهانيم»، التي تهتم بتهويد الأحياء الفلسطينية في المدينة.