بعد مفاوضات مريرة دامت ما يقارب أربع سنوات، حمل أمس الفرج لملف المختطفين والمختطفات من ريف اللاذقية الشمالي، عبر نجاح عملية تبادل حرّرت 54 من النساء المختطفات مع عدد من الأطفال، مقابل إفراج السلطات السورية عن 55 سجينة.
الملف الذي تعثر لسنوات في ضوء رفض المسلّحين سابقاً، الإفراج عن النساء المحتجزات لديهم إلا بشروط لم تجد طريقها إلى التحقّق. النساء والأطفال الذين اختطفوا صيف عام 2013، من منازلهم في عدة قرى قرب منطقة صلنفة في ريف اللاذقية، بعد هجوم للجماعات المسلحة، أدى إلى سيطرتها على 14 قرية واختطاف ما يزيد على 100 مدني منها.
عملية التبادل التي أُعدّ لها قبل ما يزيد على شهر، واتفق على إتمامها قبل أيام، أنجزت قرب قلعة المضيق، في ريف حماه الشمالي الغربي، بمتابعة وتنسيق من الهلال الأحمر السوري. وأغلق التبادل أمس الجزء الأكبر من الملف، ليبقى إنهاؤه مرتبطاً بالكشف عن مصير 20 شخصاً من بين المخطوفين، بينهم أطفال ورجال، لم يعرف عنهم شيء حتى الآن.
وكانت عمليات المبادلة السابقة قد شهدت خروج 49 من المختطفات وأطفالهن على دفعات. وكان إجمالي عدد المختطفين 106 مدنيين، توفيت منهم 3 نساء مسنّات، خلال الأيام الأولى التي تلت الاختطاف. فيما وُلد طفل لامرأة كانت حاملاً، أثناء فترة الاحتجاز.
العملية التي ستنهي معاناة 25 عائلة انتظرت لسنوات التئام شملها، في ضوء تهميش إعلامي رافق هذا الملف الذي غاب عن المحافل الدولية، لكونه «غير مجدٍ» بالميزان السياسي. ولعلّ هذا ما سبب سخطاً وعتباً لدى العائلات المتضررة، انعكسا في اعتصامات متواصلة على مدار السنوات الماضية، للضغط في سبيل تحرير أبنائهم.

عانى الملف تهميشاً إعلامياً وظل غائباً عن المحافل الدولية


وإذ يتحرك الشاعر طلال سليم، ابن المنطقة، الذي حُرِّرَت طفلته حنين في خلال عملية أمس، لاستقبال المحرّرين والمحررات، لا يسعه تحديد مشاعره. فهو الرجل المكلوم الذي فجع بزوجته، واختطف أطفاله الثلاثة، قبل أن يعود منهم اثنان في مبادلة سابقة، وتبقى حنين ابنة التسع سنوات، بين أيدي الخاطفين. يستعد الأب لاستقبال طفلته، التي كانت في الصف الثالث، وتخلفت عن مدرستها 4 سنوات، وأصبح عمرها 13 عاماً، ويقول: «عم أتحضر لأبكي كتير... الحمد لله، إنها بالآخر دموع فرح».
ومن بين أجواء الفرح بالمبادلة الأخيرة، الطفلة مرح مريم، التي حُرِّرَت في عملية تبادل سابقة وحيدة بلا أمّها وأخوتها الصغار. الفتاة التي أعلنت رفضها الخروج، مفضّلة حضن أمها على الحرية، لم يسألها الخاطفون رأيها، فأقامت في منزل خالها، في ضوء استشهاد والدها وجدها العجوز وبقاء أمها وأخوتها الثلاثة في الأسر.
الكثير من المحررين السابقين، خرجوا ليروا مصائب أخرى في انتظارهم، من بينها التعرف إلى جثث مشوهة تعود إلى بعض أفراد عائلاتهم، ما كان يمكن الكشف عن هويتها لولا قدرتهم على التعرف إلى ملابسهم ليلة الاجتياح المشؤومة، في ظل عدم توافر تقنيات للوقوف على هويات الجثث ضمن المقبرة الجماعية التي اكتشفت خلال الأيام الأولى، ما بعد وقوع الكارثة.
ما يزيد على ألفي شخص تجمهروا على أوتوستراد الثورة، قرب مدخل اللاذقية، في انتظار وصول ذويهم بعد أيام البعد القسري، لتروى القصص الكاملة عن ملابسات أيام الاختطاف التي لم يتفوه أحد بكل تفاصيلها، خشية على من بقي داخل عذاب سجون المسلحين.