«مملكة الكراهية» هو عنوان كتاب صدر عام 2003 في الولايات المتحدة إصدار (Regnery) واحتل المكان التاسع في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً بحسب تصنيف صحيفة «نيويورك تايمز». يقع الكتاب في نحو 300 صفحة ويشرح على نحو استدلالي أكاديمي دور السعودية في نشأة الإرهاب الدولي ودعمه وتمويله. فصول الكتاب، تربط، من خلال وثائق تنشر للمرة الأولى، بين موجة الإرهاب التي تجتاح العالم، وعقيدة الكراهية التي تُدرّس في مدارس وجوامع الدولة الخليجية. في الفصل الافتتاحي، يقدم «مملكة الكراهية» عرضاً تاريخياً للطريقة التي استولى بها آل سعود على حكم شبه الجزيرة العربية أواسط القرن الثامن عشر، بالتحالف مع الوهابية، ويتوقف عند المجازر التي ارتكبت في هذا السياق، بوصفها «فريضة دينية» استوجبت قتل كل «المشركين والمرتدين والكفار»، الذين رفضوا اعتناق الوهابية والانضواء تحت حكم آل سعود.
في ما يلي، يشرح الكتاب كيف أن التطرف الوهابي، الوجه الآخر لحكم آل سعود، هو جذر الإرهاب الجهادي المعاصر، ويُبَيِّن الدور المركزي الذي أدّته الوهابية في «صوغ التيار الأوسع للتطرف الإسلامي». يمضي في تبيان ماهية «الوصفة المميتة التي أوجدت الإرهاب الجديد» وهي عبارة عن امتزاج «شبكة مالية وعسكرية واسعة مع إيديولجيا محفّزة قوية بإمكانها أن تدفع الناس إلى التضحية بأنفسهم وارتكاب عمليات قتل جماعية». على أن هذين المُرَكَّبَين نمَوَا معاً في السعودية ضمن حركة اسمها الوهابية.
الاجتماع الأخير كان أمام
أعين الملأ فضلاً عن أنه جرى التمهيد له بإعلان مسبق

هكذا، يتضح، بحسب الكتاب، كيف أن الوهابية هي «النموذج الإيديولوجي الأصلي لكل المتطرفين الإسلاميين»، وتالياً كيف أن «أسامة بن لادن هو الاستمرار الطبيعي لمحمد بن عبد الوهاب»، وإذ يستعرض الدور المهم لمساهمات بعض العائلات السعودية الثرية والجمعيات الخيرية التابعة للحكومة السعودية في نشأة وتطور تنظيم «القاعدة»، يخلص الكتاب إلى أن هجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة كانت فقط «التعبير الأكثر دراماتيكية للتناسل الجديد للإرهاب التي ولد وتغذى في العربية السعودية وتغلغل بهدوء إلى داخل المجتمع الدولي».
وفي السياق، يناقش الكتاب المنطق الذي تبنّته في مرحلة ما بعض الأدبيات السياسية السعودية، التي رأت أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يسهم في تعزيز الإرهاب في المنطقة، فيجد أن هذا الصراع لم يعنِ أبداً الكثير بالنسبة إلى الرياض التي «تشعر بأن التهديد الأساسي عليها مصدره الخصوم العرب مثل النظام الهاشمي في الأردن والعراق، من قبل، والناصرية الاشتراكية في مصر وسوريا واليمن، وفي وقت لاحق البعثية في كل من العراق وسوريا».
باختصار، وربما مع قدر من المبالغة، يكاد المرء يجد نفسه أمام نسخة منقحة لكتاب «تاريخ آل سعود» للكاتب المناضل ناصر السعيد، سوى أن مصنف «مملكة الكراهية» هو المدير العام المُعيَّن لوزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد. المفارقة تكمن في أن غولد هذا، هو نفسه الذي اتسع صدر التسامح السعودي للاجتماع به ـ سراً ـ خمس مرات خلال الأشهر الـ 17 الماضية لبحث «سبل التعاون في مواجهة التحديات المشتركة» (كما أكدت تقارير إعلامية لم تنفها «مملكة الكراهية»)، فيما نصيب السعيد من هذا التسامح كان الاختطاف والتعذيب والإعدام.
الاجتماع السعودي الإسرائيلي الأخير في واشنطن قبل أيام لم يكن بحاجة إلى سبقٍ صحافي ليكشفه، إذ كان أمام أعين الملأ فضلاً عن أنه جرى التمهيد له بإعلان مسبق، وكما تقتضي «دبلوماسية الندوات الأكاديمية»، كان منتظراً أن يؤكد طرفا اللقاء، غولد، رئيس «مركز القدس للشؤون السياسية»، عن الجانب الإسرائيلي، ورئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أنور العشقي، عن الجانب السعودي، أنهما لا يمتلكان صفة التمثيل الرسمي لحكومتيهما، وإنما يجتمعان ويتباحثان بوصفهما خبيرين أكاديميين في السياسات الخارجية ورئيسي معهدي أبحاث ودراسات.
لنتذكر فقط أن غولد ذهب إلى اللقاء بعدما جرى تعيينه مديراً عاماً لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وأنه من حلقة المستشارين الأقربين لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ولنتذكر أيضاً أن العشقي، إلى تمتعه بالكثير من ألقاب «السابق» في المؤسسة السعودية الحاكمة (جنرال متقاعد، عضو شبه ثابت في الوفود المرافقة للملك الراحل فيصل إلى الخارج، مستشار في سفارة الرياض بواشنطن) هو عضو في اللجنة الاستشارية الخاصة التابعة لمجلس الوزراء السعودي منذ أكثر من عشر سنوات، وتبعاً لذلك، فإنه شخصية ذات حضور في البلاط الملكي. والأهم، هو أن نتذكر أنه حينما اجتمع بمؤلف «مملكة الكراهية» في العاصمة الأميركية، سافر إليه من المملكة نفسها، ثم عاد إليها، تحت ناظري سلطاتها التي يصعب للمرء أن يقتنع بأنها من النوع الذي يتيح هامشاً لأنشطة خاصة ذات طابع سياسي لا تخضع لرقابتها والتنسيق معها.
لكن فلندع ذلك جانباً، ولنتأمل في ما قاله الرجلان خلال الاجتماع، الذي يتمحور حول مفردة واحدة هي: التهديد الإيراني. المفارقة أن السردية التي قدمها غولد لهذا التهديد دارت حول دعم طهران لقوى «الإرهاب» في لبنان وفلسطين (إقرأ: المقاومة)، إضافة إلى سعيها لامتلاك سلاح نووي، فيما تركزت مداخلة العشقي على تدخلات إيران العدائية في الدول العربية ودورها «التخريبي» في سوريا والعراق واليمن، وفيما تجاهل غولد كلياً القضية الفلسطينية، إلا من باب الإشارة إلى الأمل في «حل المشاكل الدبلوماسية الصعبة التي لم نتمكن من حلها حتى الآن»، فإن العشقي عرّج عليها فقط من زاوية التذكير بمبادرة السلام العربية.
مما تقدم يمكن الاستنتاج ليس فقط أننا أمام مرحلة من النضج في العلاقة السرية تسمح بتظهير اللقاءات السعودية الإسرائيلية إلى العلن، بل أيضاً، والأهم، أن القاعدة التي يُصرِّح الجانبان بأن هذه العلاقة ستستند إليها هي العداء لإيران. «بلدانا يواجهان التهديدات نفسها في البحر الأحمر والبحر المتوسط وفي المناطق المحيطة بشبه الجزيرة العربية» قال غولد، في مداخلته، دون مواربة، شارحاً كيف أن أهم الأحلاف في العالم، بينها «الناتو» على سبيل المثال، قامت على مواجهة التحديات والتهديدات المشتركة.
هي، إذاً، استراتيجية التحالفات الإقليمية التي انتهجتها إسرائيل قديماً مع إثيوبيا وتركيا وإيران الشاه حين كانت الظروف تتيح ذلك. وهي استراتيجية لم تزهد إسرائيل فيها يوما، ولطالما راهنت على مفاعيلها السياسية في تطويق أعدائها وإيجاد توزان معهم. جديدها اليوم هو هوية الحليف المزمع (السعودية) والمتحالف ضده (إيران)، وما ينطوي عليه ذلك من مفارقة تبدل الأدوار: دولة عربية رئيسية هي الحليف، وإيران الجمهورية الإسلامية هي العدو. فقط إسرائيل بقيت حيث هي، دون أن تشعر حتى بضرورة تقديم أي ثمن مقابل هذا التحالف؛ أي ثمن شكلي، حتى من نوع ألّا يكون مندوبها لمحاورة آل سعود هو مؤلف كتاب «مملكة الكراهية».
إنها «نافذة الفرص في العالم العربي التي يتعين علينا استغلالها». الكلام لسفير تل أبيب إلى الأمم المتحدة، رون بروس أور، في مداخلة أمام مؤتمر هرتسليا السنوي قبل ثلاثة أيام. «علينا أن نوظف لمصلحتنا أموراً كثيرة تحدث في الشرق الأوسط»، أضاف السفير، «على سبيل المثال: تطابق المصالح القائم بين إسرائيل والسعودية».