بعد ساعات فقط من حفل تنصيبه، وصل رئيس جمهورية الصومال الفدرالية الجديد، محمد عبدالله فرماجو، إلى الرياض، في رسالة واضحة للقوى الإقليمية والدولية التي تتنافس لبسط نفوذها على البلاد.ومعلناً توجهه إلى السعودية "لأداء مناسك العمرة" إثر انتخابه، غادر الرئيس التاسع للبلاد منذ استقلالها في 1960 والوفد المرافق صباح أمس الخميس، العاصمة مقديشو، في أول زيارة خارجية له منذ توليه المنصب. وعقد إثر وصوله جلسة مباحثات رسمية مع الملك سلمان بن عبد العزيز، تبعها لقاء مع ولي ولي العهد محمد بن سلمان، حضره وزير الخارجية عادل الجبير.

وبرز تناغم السلطة في الصومال مع السعودية في أكثر من منعطف، مثل قطع علاقتها مع إيران عقب الاعتداء على السفارة السعودية، وانضمامها إلى «التحالف» الذي شكلته الرياض قبيل بدء عدوانها على اليمن في 2015.
وليست السعودية الدولة الوحيدة التي تسعى لـ«استمالة» الصومال، وذلك لأنها تمثّل عمقاً استراتيجياً في منطقة قد تعدُّ الأهم في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، لا سيما في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وفضلاً عن تدخل عدّة دول مجاورة، أبرزها إثيوبيا وكينيا، في الانتخابات الصومالية الأخيرة، كان لافتاً تدخل دول عربية وإقليمية، أهمها الامارات وتركيا. وتعليقاً على الانتخابات الصومالية، قالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إنه وفقاً للتقديرات، فإن دولاً مثل تركيا والسودان والإمارات وقطر «اشترت مرشحين كي تضمن لنفسها صفقات مغرية في المستقبل». وهذا ما أكّدته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في تقرير قال إن العملية الانتخابية «شهدت تدفق أموال تزيد على 20 مليون دولار من يد إلى أخرى... وإن ما يزيد على 10 من زعماء القبائل اعترفوا بأنهم دفعوا أو تلقّوا رشاوى».
ووفق موقع «أوول أفريكا»، فإن الإمارات كانت « تسعى بجدية» للتأثير على نتيجة الانتخابات، و«ضغطت من خلف الكواليس لواحد وربما اثنين من المرشحين»، وكذلك تركيا التي وقّعت اتفاقات ثنائية مع الحكومة الصومالية في مجال الأمن والمساعدات الإنسانية والتنمية بهدف سياسي. وأشار التقرير إلى وجود «منافسة» بين أبو ظبي وأنقرة لبسط النفوذ في بلد لديه أطول خط ساحل على طول المحيط الهندي في أفريقيا، يبلغ طوله 2720 كلم.
والجدير بالذكر أن زيارة الرئيس الجديد للسعودية تأتي بعد توتر في العلاقات «القوية والعميقة» مع أبو ظبي، وذلك بعد قرار الأخيرة إقامة قاعدة عسكرية في جمهورية أرض الصومال، التي أعلنت انفصالها عن الصومال من طرف واحد، ما دفع مقديشو إلى اتهام أبو ظبي بخرق القانون الدولي.

من هو الرئيس؟

في آخر استحقاق رئاسي بنظام الانتخاب غير المباشر تشهده الصومال قبل الانتقال إلى نظام الانتخاب المباشر بدءاً من الانتخابات المقبلة في عام 2020، فاز فرماجو برئاسة الصومال بعد حصوله في الجولة الثانية على أصوات 184 نائباً من أصل 328 شاركوا في الانتخابات، متفوّقاً بذلك على الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود. وبالرغم من أن النتيجة لا تمنح فرماجو الفوز في تلك الجولة، فإنّ حسن شيخ أقرّ بهزيمته. وشكّل فوز السياسي الصومالي مفاجأة للبعض، وذلك بسبب «العامل القبلي»، إذ إنه لا ينتمي إلى قبيلة «الهوية» التي دائماً ما يكون الرئيس منها.
ولد فرماجو في مقديشو عام 1962 وتلقى تعليمه الأساسي والثانوي فيها، قبل دخوله السلك السياسي بالعمل في وزارة الخارجية الصومالية عام 1982. وفي عام 1985 عيّن سكرتيراً في السفارة الصومالية في الولايات المتحدة، حيث درس التاريخ وحصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
وبعد اندلاع الحرب عام 1991، قرر البقاء في الولايات المتحدة وطلب اللجوء السياسي، وحصل على الجنسية الأميركية عام 1994. شغل مناصب عدّة في بلدية بوفالو، وفي قطاع النقل في نيويورك، وبقي هناك حتى عام 2010 حين استدعاه الرئيس شيخ شريف أحمد لرئاسة الحكومة. وبعد سبعة أشهر فقط، استقال من منصبه بموجب ما عرف بـ«اتفاقية كمبالا» بين شيخ شريف ورئيس البرلمان شريف حسن.
وبالرغم من قصر فترة رئاسته للوزراء، فإنّه اكتسب شهرة كبيرة، وذلك نظراً إلى «الإنجازات التي حققها على الصعيدين الأمني والسياسي». وظهر ذلك في 2011 حين خرجت التظاهرات المنددة بإقالته، وفي 2012 حين خرجت التظاهرات المؤيدة له بعد ترشحه في الاستحقاق الرئاسي، الذي فاز فيه حسن شيخ محمود.
ووفق ما يقوله المراقبون، فإن أحد أهم العوامل التي أدّت إلى فوزه، فضلاً عن امتلاكه لرصيد سياسي ممتاز وبرنامج انتخابي قوي، هو إصراره على عودة الدور الإقليمي المتميز للصومال في منطقة القرن الأفريقي، وإعادة الهيبة إلى المؤسسة العسكرية، وإعادة النظر في وجود قوات الاتحاد الأفريقي، البالغ عددها أكثر من 22 ألفاً على الأراضي الصومالية. ويواجه الرئيس تحديات كبيرة على المستوى السياسي، والمستوى الاقتصادي (المجاعة الأسوأ في تاريخ البلاد، 75% بطالة، و90% فقر)، والمستوى الأمني (حركة الشباب)، إضافة إلى عدد من الملفات الإقليمية والدولية (السيادة على منطقة أوغادين مع الجانب الإثيوبي، وترسيم الحدود البحرية مع الجانب الكيني).
(الأخبار)