طهران | في شباط ١٩٨١، عيّن الرئيس الراحل، ياسر عرفات، صلاح الزواوي ليكون ممثلاً عن «منظمة التحرير الفلسطينية» في طهران، وذلك بعد تخلي الشهيد هاني الحسن عن المنصب وتوجهه إلى بيروت. وعقب توقيع اتفاقية أوسلو بين «المنظمة» والعدو الإسرائيلي. رفضت إيران الاعتراف بالسلطة المنبثقة عن الاتفاق، كما رفضت تغيير الزواوي وتعيين سفير جديد. فبقي الأخير في منصبه منذ ذلك الحين، ممضياً ٣٦ عاماً من عمره في طهران.
يستذكر الزواوي افتتاح السفارة، وحضور أبو عمار وهاني الحسن والسيد أحمد الخميني ووزير الخارجية الإيرانية السابق إبراهيم يزدي لرفع العلم الفلسطيني فوق مبنى السفارة الإسرائيلية السابق. يفتخر الزواوي بأن عرفات كان أول مسؤول يزور طهران، مضيفاً: «بعد انتصار ثورة الإمام الخميني، قال عرفات: اليوم أصبحت جبهتي تمتد من صور إلى خراسان». ويؤكد السفير أن العلاقات الفلسطينية ــ الإيرانية أعمق من كل الخلافات السياسية التي مرت على الطرفين، فحتى مع اعتراف «منظمة التحرير» بإسرائيل، «بقي التواصل بين الثورتين».

نواجه مع إيران
مشروعاً غربياً تديره الولايات المتحدة


أعاد الرجل الثمانيني التذكير بقِدَم العلاقة، قائلاً: «بدأ تواصلنا مع الإمام الخميني أيام جهاده في المنفى، فقد قامت ثورة الإمام على أساسين هما: الإسلام وفلسطين، التي هي أولى القبلتين وثالث الحرمين. وعندما انتصرت ثورة الإمام، قال الخميني: اليوم إيران وغداً فلسطين»، ويضيف: «سيبقى استقلال إيران ناقصاً دون عودة فلسطين... احتضن الإمام ثورتنا عندما كان في النجف الأشرف، وحينها أصدر فتواه التاريخية بمنح الخُمس والزكاة للفدائيين الفلسطينيين».
يتحدث الزواوي بحب عن الخميني، مشيراً إلى أنه «الإمام كان يرى بعين قلبه مستقبل فلسطين، وأعلن آخر جمعة من رمضان يوماً عالمياً للقدس... كان يرى ما لا يراه الناس. انظر إلى الأيام السود التي نعيشها: محاولة العدو الصهيوني ابتلاع الضفة وضم القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني، بالإضافة إلى زيادة البناء الاستيطاني واستباحة المسجد الأقصى».
يحب السفير الفلسطيني إعادة الحديث عن تاريخ العلاقة قبل انتصار الثورة الإسلامية، مشدداً على تدرّب معظم القادة الإيرانيين في معسكرات حركة «فتح» في لبنان. وهؤلاء، كما يقول، استشهد بعضهم خلال قتالهم مع الفدائيين ولا يزالون مسجلين على قائمة أسر شهداء فلسطين، كذلك لا تزال الحركة تدفع مخصصات ذويهم في الجمهورية.
والوجدان العقائدي الإيراني مرتبط بفلسطين. فأينما ذهبت في إيران تجد شارعاً ونصباً لفلسطين. في أقدس المقامات الإسلامية، أي في مقام الإمام علي الرضا، في مشهد، هناك صحن كبير اسمه صحن القدس، وفيه مجسّم لقبّة الصخرة. وبعد كل صلاة، يهتف الإيرانيون ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
كذلك يؤكد صلابة «العلاقة بيننا وبين النظام... ما أقوله للتاريخ لأنني رجل كبير، وبكرا رح إمشي من الدنيا». أيضاً، يحرص السفير الفلسطيني على التركيز على الأشياء المشتركة مع الجمهورية الإسلامية، إذ يقول: «نواجه مشروعاً غربياً تديره الولايات المتحدة. لن يتوقف هذا المشروع إلا بالقتال والجهاد بكل الطرق... قام النظام هنا على الإسلام والمذهب الشيعي، ونحن كحركة تحرر وطني نلتقي معه في الكربلائية الحسينية الفدائية، وثورة الإمام الحسين شيء أساسي في الوجدان الشيعي، ومبدأ انتصار الدم على السيف يؤكد أنه يمكن لفئة قليلة أن تنتصر، ويمكن للأقل تسلحاً الانتصار على الأكثر تسلحاً، وهذا المفهوم الكربلائي يعمق العلاقة بين إيران والثورة الفلسطينية».
لا ينكر عميد الدبلوماسيين الفلسطينيين وجود خلافات مع طهران، لكن «لا بد أن يتفهم كل طرف توجهات الآخر، وعلينا القتال لتحرير فلسطين... المطلوب من شعبنا في أراضي ١٩٤٨ نوعية قتال مختلفة عن الضفة، وفي الضفة يجب القتال بطريقة تختلف عن غزة. هناك القتال الدبلوماسي»، مكملاً: «الأكيد أنه يجب على الكل القتال بطريقته من تنفيذ عمليات طعن ودهس، وصولاً إلى إطلاق الصواريخ، وبذلك نحرر فلسطين من البحر إلى النهر». كما رأى أن «هناك جهاداً تتحكم به الجغرافيا، ويجب أن يساهم الجميع من موقعهم وإمكاناتهم وظروفهم... كل وسائل النضال مشروعة: من الدبكة، إلى الكفاح المسلح لتحقيق وعد الله بالتحرير».
ويقدم الزواوي قراءة سياسية للمرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية حالياً. بالقول: «لسنا أمام عدو عادي أو مشروع صغير؛ نحن نقاتل أخطر مشروع دولي، وخصوصاً بعد تبني الولايات المتحدة إقامة دولة يهودية... كانت أميركا تنتقل من خطوة إلى أخرى وهي تعلم الخطوة التي تليها، ونحن كنا نتعرض للغش». وأضاف إن «كل ما يحدث في المنطقة اليوم من صراعات إثنية وطائفية هدفه السيطرة على مقدرات المنطقة وتفتيتها وإشغال العرب بمعارك تبعدهم عن فلسطين، ما يعزز ويساهم في تأسيس إسرائيل الكبرى».
لم يعد السفير الفلسطيني يؤمن باتفاقية أوسلو، بل يقول: «عندما وقّعت منظمة التحرير الاتفاقية، كان من المفترض قيام الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة في أيار ١٩٩٩، لكن ذلك لم يحدث». مر على ذلك التاريخ ١٨ عاماً، لذلك يجزم الزواوي بأن إسرائيل والولايات المتحدة لن تسمحا بقيام دولة فلسطينية، ويتابع بحزم: «أوسلو أفلست، والرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب هو الوجه الصهيوني للمشروع، كما بدأت تتكشف عبثية الحوار مع هذا العدو».
ما يزيد الطين بلة بالنسبة إلى السفير الفلسطيني هو الانقسام الداخلي، الذي يعقب عليه بالقول: «تخيل نحن منقسمون ما عارفين نتوحد، لا أقبل ذرائع الفصائل كلها دون استثناء»، مضيفاً: «في هذا الوقت، لا خيار أمامنا سوى التوحد، لأن العدو يستغل خلافاتنا لتهويد فلسطين التي تضيع أمامنا». أما عن «المؤتمر السادس لدعم الانتفاضة الفلسطينية»، فرأى أنه يأتي ترجمة لالتزام إيران تجاه فلسطين... «وعقيدة الإخوة هنا شهيرة، فهم أصحاب الرايات السود التي ستخرج من خراسان إلى القدس». وتابع: «إذا اعتبرنا المؤتمر تظاهرة سياسية وإعلامية فهو حقق المراد منه في هذا الظرف العصيب الذي يحاول الجميع فيه إنهاء القضية الفلسطينية... أتاح لنا المؤتمر الفرصة للحوار في ما بيننا، كما حضر رؤساء برلمانات عربية ودولية وخبراء للنقاش حول الفترة المقبلة من النضال الفلسطيني».